كتاب 11

08:50 صباحًا EEST

العقبة.. يوم كانت قرية وخرائب

أعرف مدينة العقبة بالاسم والصور. وعندما ذهبت إلى الأردن عام 1965 لم أغادر عمان التي أذكرها مدينة صغيرة موزعة على تلالها. وقد دعيت يومها إلى حفل تكريما للحسن بن طلال بمناسبة عودته من أكسفورد. وأمضيت بقية الوقت مع أصدقائي من القوميين السوريين الذين كانوا يومها منفيين إلى عمان، ويقطنون فندق «فيلادلفيا».

أقرأ في كتاب عنوانه «الرمال الليبية» للضابط البريطاني روبرت مانغولد الذي قام برحلة إلى الصحراء الغربية مع رفاق له في سيارات «حديثة» قادرة على عبور الرمال، منتصف العشرينات. إذا كان يهمك القراءة عن صحراء ليبيا، فلا تُضع الوقت في قراءة الكتاب. خلافا للعنوان، ليس فيه عن ليبيا سوى العنوان وفصل واحد. الباقي عن سيناء والبتراء، ذهابا وإيابا، وعودة ثانية. وهناك فصل عن العقبة.

قبل أن يتسلم الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة في لبنان، سألته عن مشاريع «سوليدير» المقبلة، فقال: «سوليدير» في عمان و«سوليدير» في العقبة. واستوضحت إن كانت العقبة «تحتمل» مشروعا في هذه الضخامة، فقال إنها ميناء الأردن البحري الوحيد. ومدينة سياحية أيضا.

اسمع ما يقوله مانغولد العام 1929: «وصلنا إلى العقبة، وأثار وصولنا العجب. لم يكن أحد قد وصلها من سيناء بالسيارة من قبل. ذهبنا إلى مخفر الشرطة تتبعنا جماعة من القرويين العرب الفضوليين، واستقبلنا هناك ضابط أسمر ضخم الجثة قوي الحضور. أحضرت مقاعد كافية من عند الجيران، وأجلسنا كأننا بضاعة معروضة، فيما بحث أمرنا باللغة التركية. جلسنا هناك حتى وصول الحاكم. العقبة قرية طينية مليئة بالملاريا فيها بضع مئات من السكان يسكنون حول قلعة قديمة من القرون الوسطى. وهناك رصيف بحري استخدم لفترة قصيرة خلال الحرب الأولى عندما تمركز الجيش العربي بقيادة فيصل ولورانس (العرب) في العقبة للتزود بالمؤن. العام 1926 كانت مجرد خرائب. إنها الميناء البحري الوحيد للبلد، ولو أقيم خط حديدي لأصبحت خطا تجاريا يربط بجبال شرق الأردن».

«لدى وصول الحاكم بدأت الأشياء تتحرك. سارعوا إلى تحويل مكتبه إلى مكان منامة لنا. وفي جو احتفالي أرسلت برقية إلى سلطات عمان تعلمها بقدومنا. وكانت أسلاك البرق قد مدت حديثا فوق القلعة. وفي المساء جاءنا رجل يبلغنا الدعوة إلى العشاء في منزل الحاكم الواقع في الجهة الأخرى من القرية. كان ذلك مثلجا بعد أيام في الصحراء نسينا خلالها الاغتسال وحلاقة الذقن وارتداء الثياب اللائقة».

«كان الحاكم قد صادر كل ما في القرية من مفروشات أوروبية من أجل استقبالنا. وأحضر الكراسي (الوحيدة) من مخفر الشرطة. كان العشاء بعض السمك، ثم الخروف والأرز، وكان مدرس مصري يشرح لنا الوجبة بما يعرفه من الإنجليزية. كما تولى الترجمة بعد العشاء حين تناولنا الشاي مع مضيفنا التركي».

التعليقات