كتاب 11

02:00 مساءً EEST

بريمر ـ بغدادي (B&B)

هل هناك علاقة بين جيري بريمر أول حاكم أميركي للعراق بعد نهاية حكم صدام حسين 2003، وبين «الخليفة» أبو بكر البغدادي؟ هل الاثنان وجهان لعملة واحدة، أم أنه لا يوجد مبرر أخلاقي لوضع الاسمين إلى جوار بعضهما، هل يمكننا الحديث عن العراق على أنه ضحية (B&B) بريمر – بغدادي؟ أو عما جرى في المنطقة، بما في ذلك أحداث الربيع العربي كلها، على أنه نتيجة إدارة بريمر للعراق لأربعة عشر شهرا وضعت المنطقة برمتها على الطريق السريع إلى مصير مجهول؟

في هذا المقال أستطيع أن أجزم بأن بريمر سبب والبغدادي نتيجة. وإن لم يفهم باراك أوباما هذا السياق ومعه جماعة حلف الأطلسي المجتمعون في ويلز، سيكون الفشل ومزيد من الفوضى، وانهيار ما تبقى من معادلة الأمن الإقليمي مصيرا محتوما لحملة الناتو على «داعش». ولكم في ليبيا درس وشاهد حي.

في هذا المقال استخدم بريمر الاسم كرمزية لاحتلال أميركي دخل العراق دون استراتيجية، احتلال حاول لفلفة العراق وإغلاق الملف من السنة الأولى للغزو لولا استقالة جنرال الحرب أيامها تومي فرانكس، الذي لم يجد على الأرض ما يتوافق مع استراتيجية دونالد رامسفيلد. المحاولات الأميركية المستمرة لغسل أيديهم من العراق منذ 2004 حتى اختارت وكالة «سي آي إيه» أن تسلم العراق للشيعة، ولسياسي مغمور يدعى نوري المالكي لم يكن أحد يعرفه سوى ضابط الاستخبارات الأميركي على الأرض. نوري المالكي الذي كان طوال حكمه يقف خلف إذكاء نار الحرب السنية الشيعية في العراق. مثلما كان بريمر مهندس حل الجيش العراقي بدعوى تفكيك حزب البعث، كان المالكي طوال فترة حكمه مع تطييف قيادات الجيش، وإبعاد القادة السنة لحساب قادة جدد مواليين له من متطرفي الشيعة. هذا بعض مما أوصلنا إلى «داعش» والخليفة أبي بكر البغدادي والنسخة المعدلة من «القاعدة» في العراق. من هنا يمكن لأي محلل ملم بتاريخ غزو العراق القريب في 2003 حتى الآن، أن يرسم خطا واضحا بين بريمر والبغدادي (B&B) ) مرورا بالمالكي. هذا هو جزء من الخط الزمني لزوابع الربيع العربي، الذي طرحته في مقال سابق في هذه الصحيفة.

عودة أوباما الآن من خلال الناتو لمقاتلة جماعة البغدادي المعروفة بـ«داعش»، هي محاولة إتمام حرب لم تنته على الأرض منذ عام 2003، بل انتهت على شاشات التلفزيونات يوم ظهر بوش على حاملة طائرات أميركية معلنا النصر، ومن خلفه لافتة كبرى تعلن إنهاء المهمة في العراق. أوباما أيضا أعلن نصرا عندما خطب في الجيش بعد انتخابه، وها هو الآن يكمل حربا يعرف جيدا أنه قد أنهاها قبل الموعد، عندما أعلن خروج آخر جندي أميركي من العراق 2011.

ومن هنا أنبّه الرئيس الأميركي: إذا كنت قادما إلى منطقتنا هذه المرة، كن متأكدا أنك ستنهي الحرب. حروبكم غير المنتهية في أفغانستان قدمت للعالم هدية أسامة بن لادن، حروبكم في العراق أعطتنا خليفة المسلمين البغدادي الذي يقطع الرؤوس جهارا نهارا، إذا جئتم هذه المرة ولم تنهوا المهمة فلا ندري أي عفاريت ستتركون خلفكم (please be sure this time).

طبعا جماعتنا المشغولون بنظرية المؤامرة سيتركون السرد والتحليل الجاد في المقال، وسيتوقفون عند اتفاق بوش والمالكي بإنهاء وجود القوات الأميركية في العراق 2011، الاتفاق الذي نفذه أوباما في عهده بالحرف رغم خلافه مع بوش. أصحابنا سيربطون بين قرار خروج القوات الذي وقعه بوش في 2007، وبين ما حدث في المنطقة من هزات عنيفة سميت بالربيع العربي في نفس سنة الخروج الأميركي من العراق عام 2011. هل كان هو مخطط بوش وأراد للأميركان أن يخرجوا قبل أن تضطرم النيران في المنطقة؟

من يعرف واشنطن في فترة جورج بوش يدرك أن الصوت العالي كان لأنصاف المتعلمين ممن لا يفهمون الكثير عن منطقتنا، لولا هذا الجهل لما تم اختيار المدير التنفيذي لمجموعة كسينجر، بول بريمر لإدارة العراق، وهو الرجل الذي لا يعرف شيئا عن العراق خصوصا، والشرق الأوسط بشكل عام. الجهل هو الذي أدى إلى استراتيجيات سيئة أوصلت منطقتنا إلى وضعها الحالي.

الفكرة الأساسية للمقال هي أن ما نراه اليوم في المنطقة من العراق إلى ليبيا مرورا بمصر واليمن كله نتيجة غياب الرؤية الاستراتيجية لدى واشنطن وتحديدها العدو من الصديق وماذا تريد أميركا من المنطقة، البغدادي هو نتيجة لبريمر (B&B).

لا بد للرئيس أوباما أن يراجع ما جرى في العراق، وكيف أن أميركا كانت تعمل ضد كل النصائح المحلية، وكيف أن بوش رفض توصيات مستشاريه بمن فيهم مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي الذي نصحه بعدم التعامل مع المالكي. رفض بوش وأصر على إنهاء رئاسته مع المالكي في بغداد وبدلا من الاحتفال بالنصر طار حذاء الصحافي العراقي في وجهه ووجه مضيفه ليرسم رمزيه سيئة لرئاسته.

لا أعتقد أن أوباما يريد أن ينهي رئاسته بهذا المشهد الشرق أوسطي المهين، من خلال تدخل طري ضد «داعش».

أوباما مسؤول جزئيا عما يحدث في العراق وحوله، فمنذ خروج الجنود الأميركان من العراق حتى الآن أدار أوباما ظهره للعراق وللمنطقة. والحقيقة أنه سلم العراق لإيران. تسليم العراق لإيران هو ما حذر منه سعود الفيصل في نيويورك علنا في عهد بوش، تسليم العراق لطائفة واحدة هو الذي خلق البيئة الحاضنة لـ«داعش» عند السنة. من يتذكر تحدي السنة في الفلوجة وبغداد للاحتلال الأميركي، وصور الأميركيين الذين يسحلون في الشوارع ويعلقون على الكباري، كان سيتوقع بسهولة عملية ذبح الصحافي جيمس فولي وزميله ساتلوف من بعده. لا اندهاش هناك إلا عند السذج. كنا هناك من قبل.

لولا ما قام به الجنرال ديفيد بترايوس عندما تسلم القيادة في العراق من جذب للسنة من خلال الصحوات ورشوة شيوخ العشائر بالمال الذي قيل إنه بلغ نحو 400 مليون دولار، لاستمرت حرب العصابات إلى الآن. ولولا خروج الأميركيين من العراق لأصبحت «داعش» بطلا لكثير من متطرفي السنة، الذين هم ضد أميركا بالحق وبالباطل.

من سيرشي أوباما هذه المرة ليقضي على «داعش»، هل سنرى من الناتو ما رأيناه منه في ليبيا منذ عامين؟

بكل الأحوال. السيد الرئيس الأميركي: إن كنت قادما إلى منطقتنا، تأكد من فضلك أنك قادر على إنهاء الحرب.

التعليقات