كتاب 11

10:19 صباحًا EEST

التغيير الكبير تشعله أحداث فردية

 ذبح الصحفى الأمريكى جيمس فولى من قبل داعش والذى اجبر الرئيس الأمريكى باراك اوباما على الحديث العلنى عن خطورة داعش.

ربما يكون حدثا فارقا فى استراتيجية باراك اوباما لرسم خريطة جديدة للمنطقة على أنقاض ما أسماه انهيار نظام مابعد الحرب العالمية الاولى فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا. حدث ذبح الصحفى الأمريكى بكل بشاعته يحرك امريكا اكثر من مقتل عشرات الآلاف فى سوريا، فالقتل الجماعى ربما يذكره الناس بشيء من الذنب فيما بعد كما فى حال هتلر واليهود ولكن الأحداث العالمية الكبرى يحركها حادث فرد واحد له اسم ووجه وقصة ودراما. الأحداث الفردية لا الجماعية هى التى تلهب جذوة التغيير فى العالم وفى خذا المقال سأقدم خمسة أمثلة أساسية وأخرى فرعية للتدليل على هذه النقطة.

الحرب العالمية الاولى مثلا اندلعت نتيجة مقتل ولى العهد النمساوى فرانز فرديناند وزوجته فى سراييفو فى 28 يونيو 1914 من قبل شاب صربى والذى أدى بالإمبراطورية النمساوية بأن تشن حربا على مملكة صربيا وبعد تنفرط احداث الحرب العظمى او الحرب العالمية الاولى التى راح ضحيتها ما يقرب من تسعة ملايين (9 ملايين مقاتل ) وبعد تم تشكيل نظام دولى جديد شمل أوروبا والشرق الاوسط حتى آسيا. حادث فردى غير خريطة العالم وأدى الى موت 9 ملايين كنتيجة.

حادث فردى آخر لم يشكل تاريخ العالم بل غير تاريخ المجتمع الأميركى لم يكن دراما قتل مثلما حدث فى سراييفو فى 1914 بل معركة بين سيدة أمريكية أفريقية ( كان يشار اليها بلغة تلك الأيام زنجية) رفضت ان تخلى مقعدها فى الباص ( الاتوبيس) لرجل ابيض . كان  الجزء الخلفى من الاتوبيس مخصص للسود وكانت المقدمة للبيض. رفضت السيدة الاربعينية روزا باركس ان تتخلى عن مقعدها فاهينت وذهبت الى المحكمة وتم تغريمها 14 دولارا حسبما ذكرت فى مذكراتها . حدث الاهانة والمحاكمة ورفضها القيام لرجل ابيض من مقعدها أدى الى احتجاجات من السود فى ولاية الاباما وفى الجنوب كله ومقاطعة الحافلات التى استمرت لأكثر من عام. تلك الحادثة الفردية هى التى أدت الى ظهور حركة الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثر كنج ، وبناء عليها تم إلغاء القوانين العنصرية فى عام 1964 وبعدها حصل كنج على جائزة نوبل للسلام. حدث فردى غير تاريخ أمريكا وعلاقة السود بالبيض. ربما ما يحدث الآن ايضا فى ولاية ميسورى بعد مقل شاب اسود من قبل البوليس قد يؤدى الى إرهاصات أعمق مثلما حدث مع حادثة الباص والسيدة روزا باركس.

فى تاريخنا القريب ايضا نتحدث جميعا عن اندلاع ثورات ما سمى بالربيع العربى نتيجة لما فعله الشاب التونسى محمد بوعزيزي، البائع المتجول الذى احرق جسده نتيجة إهانة الشرطة التونسية له. حدث فردى ايضا أشعل النار ليس فى جسد بوعزيزى بل فى جسد تونس وربما جسد الأمة العربية كلها.

فى مصر ايضا يمكن الإشارة لحادثة الشاب خالد سعيد فى الاسكندرية الذى مات جراء التعذيب من البوليس وبعدها انطلقت صفحة خالد سعيد وتحرك الشباب لنصل الى ماوصلنا اليه فى 25 يناير 2011. حيث حرك هذا الحدث الصغير لشاب له اسم وله وجه وله ام مشاعر المصريين وكان جذوة احتجاجات أدت الى ماوصلنا اليه.

احداث اخرى فردية لها وجه واسم غيرت مسار الأحداث مثل علاقة الطفل الفلسطينى محمد الدرة بالانتفاضة الفلسطينية وتغيير صورتها فى الخارج قبل الداخل وهناك علاقة الشاب جيكا وثورة 30 يونيو ولكنهما صورتان لا يقعان بالضبط فى التصنيفات الكبرى الاولى .

النقطة الرئيسية هنا فى هذا المقال هى ان أحداثا صغرى هى التى تشكل العالم فيما بعد ومن هنا لا يكون من الحصافة او الذكاء ان تقلل الأنظمة من اهمية الأحداث الفردية سواء أكانت إهانة مرأة او رجل او مقتل فرد واحد ظلما لان الأحداث الكبرى تحركها احداث صغري.

ربما يرى البعض ان بداية احداث الحادى عشر من سبتمبر كان نذيرها ذلك الحدث الفردى المتمثل باغتيال احمد شاه مسعود، العلاقة ليست واضحة كما الأمثلة الاخرى لكنها مثيرة للاهتمام.

خلاصة القول ان صانع السياسة لابد وان ينتبه لتلك الأحداث التى يظنها صغيرة مثل إشعال النار فى جسد بائع خضار فى تونس او تعذيب شاب سكندرى ولايدرك ان ثورات كبرى ستندلع بعدها. لذا ايضا لابد وان نتوقف عند ذبح الصحفى الأمريكى فولى وكذلك مقتل شاب فى ولاية ميسوري. تلك الأحداث الفردية قد تغير امريكا والشرق الاوسط معا، فالأحداث العالمية الكبرى تحركها احداث فردية تأتى بعد المقابر الجماعية والقتل الجماعى ليس كسبب وانما كنتيجة لتلك الأحداث الصغيرة.

التعليقات