كتاب 11

12:09 مساءً EEST

ما وراء كلمة الملك السعودي

ملك السعودية لا يتحدث كل يوم لذلك عندما يتحدث الملك السعودي فاعلم أن الخطر اقترب إلى ما لا يمكن السكوت عنه، وملخص كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز هو أن الإرهابيين الجدد من {داعش} وغيرها مصحوب بالصمت الدولي تجاه ما يحدث من مجازر في غزة، جزء من مخطط يستهدف الدولة العربية الحديثة.

والمحزن في الأمر هو وقوع أبنائنا من المغرر بهم ضحية لهذا المخطط الأجنبي المشبوه فيصبحون بلا وعي أدوات لتنفيذ هذا المخطط وهم مجرد حلقة فيه ولا يعرفون أهدافه؛ فمنهم من ينفذ بغباء ومنهم من يهلل ويشجع ولا يدري أنه يشارك في هدم بيته ومنجزاته.
قد يبدو الربط بين إرهاب {داعش} في العراق والجماعات الإرهابية المختلفة والمجازر التي تحدث في غزة بعيدا وغير واضح لمن لا يعلم ومن لا يعرف ومن يأخذ الأمور بظواهرها، ولكن من يتمعن فيما وراء كلمة العاهل السعودي الملك عبد الله يعرف أن الدولة السعودية بمحافظتها المعهودة وبلغتها الدبلوماسية تدرك الربط بين ما يبدو متناقضا وتحذر من المخاطر غير المحسوبة لمخططات رعناء تهدف إلى جعل الفوضى في المنطقة أسلوب حياة.
الشفرة الرئيسية في كلمة خادم الحرمين الشريفين التي يجب على المحللين التوقف عندها، تتمثل في قوله «واليوم نقول لكل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، بأنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، والتي لم يسلم منها أحد. اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد».
وهنا يكمن الربط بين إرهاب «داعش» في العراق وإرهاب إسرائيل في غزة.
ترى ما الربط بين إرهاب «داعش» وتلك المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة والإصرار على الاستمرار في الحرب والإرهاب في ذات الوقت؟ لمن لا يعلم ولمن يعلم ولا يتذكر أن الموضوع برمته بدأ باستراتيجية أميركا تجاه العالم العربي والإسلامي بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 عندما قررت أميركا التخلي عن استراتيجية المواجهة بينها وبين العالم الإسلامي واستبدالها بنقل الحرب برمتها إلى الفضاء الإسلامي نفسه أو إلى ديار الإسلام.
في تلك الفترة التي تلت أحداث 11 سبتمبر كلف مكتب وزير الدفاع الأميركي حينها دونالد رامسفيلد مجموعة من الخبراء بكتابة استراتيجية أميركا تجاه العالم الإسلامي، ومن يقرأ توصيات تلك المجموعة من الخبراء لوزارة الدفاع الأميركية لا يستغرب أبدا ما نحن فيه ليس برسم مسطرة وإنما بالطبع باستثناءات طفيفة لا تبتعد كثيرا عما استهدفته تلك الاستراتيجية أو ذاك المخطط الانتقامي الأقل تكلفة على أميركا والغرب.
الأفكار الرئيسية لهذا المخطط كانت تتمحور حول ثلاث نقاط؛ النقطة الأولى هي إذكاء الصراع السني الشيعي داخل العالم الإسلامي كشرخ استراتيجي أكبر، أما النقطة الثانية في إذكاء الصراع داخل المعسكر السني نفسه من خلال مواجهة جماعة الإخوان المسلمين مع الأزهر ومع التيار السلفي، أما النقطة الثالثة التي نعيشها الآن فهي إيجاد حرب أهلية داخل التيار السلفي ذاته وتقسيمه إلى سلفية الدولة والوضع القائم ضد السلفية الحركية التي مثلتها من قبل «القاعدة» والآن تمثلها «داعش». هذه هي المراحل الثلاث لاستراتيجية لنقل الحرب إلى ديار الإسلام كبديل لمواجهة بين المتطرفين والغرب.
ولذلك لا يتحمس الغرب كثيرا لفكرة حوار الحضارات أو حتى لفكرة القضاء على الإرهاب في الشرق الأوسط لأن الهدف هو إكمال حلقات تلك الحرب التي حدد لها ما يقرب من أربعين عاما يمكن للغرب خلالها إدارة الصراع داخل العالم الإسلامي دونما أن يمثل خطرا على أسلوب الحياة الغربية.
وإدارة الصراع أصبحت جزءا من استراتيجية شاملة رأيناها بوضوح فيما يسمى بعملية السلام peace process في حالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الهدف هنا ليس السلام إنما العملية process. ونجحت إسرائيل ومعها أميركا لأكثر من عشرين عاما الآن منذ إطلاق محادثات السلام في مدريد في إدارة الصراع أو إدارة العملية. ويمكنها أن تديرها لعشرين عاما أخرى بأقل تكلفة دونما تنازل عن أرض أو سيادة.
ما تقوم به إسرائيل اليوم في غزة هو ضد ما قامت به مصر في 30 يونيو (حزيران) 2013 بالقضاء على سيطرة جماعة الإخوان على أكبر دولة في العالم العربي من خلال رفض شعبي مطلق. كيف لإسرائيل أن تعيد الزخم لجماعة الإخوان التي ماتت في مصر؟ الإجابة هي أن تدخل إسرائيل في حرب مع حماس أي إخوان فلسطين لكي تعيد الجماعة رونقها وعوامل جذبها للشباب. إسرائيل لم تدخل حربا مع فتح أو مع رام الله، إسرائيل دخلت حربا مع الإخوان ولأن القضية الفلسطينية هي مصدر إجماع فبهذا تسلم إسرائيل العالم العربي لجماعة الإخوان مرة أخرى.
كلمة العاهل السعودي تكشف هذا الربط بين ما تقوم به إسرائيل لاستمرار الصراع داخل المعسكر السني الذي يمثل الحلقة الثانية في خطة رامسفيلد وما يحدث من «داعش» في العراق كممثل للحلقة الثالثة من ذلك المخطط والتي تستهدف حربا أهلية داخل السلفية التي لها اليوم أربعة أحزاب في مصر وحدها من ناحية وجماعات متطرفة من العراق إلى المغرب من ناحية أخرى.
كلمة الملك عبد الله هي صفارة إنذار وتنبيه للغافلين أن ينتبهوا لإبعاد ما يحدث وأن يعرفوا ويعوا أنهم أدوات في أمر أكبر يستهدف العالم العربي تحديدا لمصالح متناقضة مع مصلحة الإنسان العربي.
بالطبع اللغة الدبلوماسية في خطاب الملك تخفي خلفها شفرات تحدد من الظالم ومن وقع عليهم الظلم في المعادلة الشرق أوسطية المخيفة.
التنبيه الذي أطلقه الملك عبد الله للداخل والخارج هو أن المملكة مدركة لأبعاد مخططات أجنبية مطبوخة لزعزعة الاستقرار في العالم العربي من أجل أمن إسرائيل واستمرارها في عملية مكشوفة من الخداع الاستراتيجي المسماة بعملية السلام التي تتراوح بين طاولة المفاوضات أحيانا والمجازر على الأرض أحيانا أخرى.
خلف كلمة الملك أيضا لوم لقوى إقليمية لا تدرك مدى خطورة انخراطها في مخططات تجهلها أو تنفذها لأغراض أخرى.
المملكة لن تسمح بأن تمس الحلقة الثالثة من المخطط أمنها لا بإحراجها عربيا من خلال المجازر الإسرائيلية في غزة أو بقطع الرؤوس من قبل داعش في العراق أو من خلال تعنت جماعة المالكي الذين يمثلون الطرف الأقوى في رسم خطوط الصراع السني الشيعي.
الإرهاب ومجازر إسرائيل في غزة جزء من مخطط واحد والمملكة مدركة لأبعاده وتحاول في حدود قدراتها مواجهته وإفشاله. لقد نجح المصريون كشعب في 30 يونيو 2013 في إفشال الجزء الأكبر من المخطط المشبوه وبالتأكيد ستنجح قوى الاستقرار في العالم العربي من إفشال الجزء المتبقي.
الخداع الاستراتيجي المتمثل في خلط الأوراق لم يخف الحلقات الثلاث للمخطط بل يكشف أن ما يحدث في العراق وسوريا وغزة ليست حروبا متفرقة بل هي جزء من مخطط واحد والعقلاء في المنطقة يدركون أبعاده.
أظن أن رسالة الملك عبد الله رغم لغتها الدبلوماسية وبعد فك شفراتها تصبح واضحة كالشمس لمن يعنيهم الأمر.

التعليقات