مصر الكبرى

09:15 صباحًا EET

أخونة الدولة وتكلفة الخلافة

تحدي الإخوان اليوم هو إيجاد صيغة توازن بين أخونة الدولة في السياق المحلي وبناء الخلافة وتكاليفها المالية في السياق الإقليمي العربي وما يتبع الحالتين من ارتباك محلي وإقليمي. إستمرارية مشروع الإخوان يحتاج إما إلى قوة إنتاجية بحجم الإقتصاد التركي ، ومصر وتونس ليستا تركيا لا من حيث حجم الإقتصاد أو حتى من ناحية العمالة المنتجة، أما الحل الثاني فهو يتمثل  كما ذكرت في مقال سابق في الإستحواذ على دولة نفطية تنفق على مشروع الخلافة الطموح. أخونة الدولة مشروع ليس بهين ويواجه تحديات كبير في الدول الفقيرة مثل تونس ومصر، كما تسرب من فيديو الشيخ الغنوشي أو من ممارسات الإخوان في مصر كما رأينا في المواجهات الدامية في ميدان التحرير. ما يواجهه  مشروع الأخونة من تحديات مع خصوم محليين، جماعة الرئيس المنصف المرزوقي والقوى المدنية في تونس، أوالسلفيين والقوى المدنية في مصر، ليس بالأمرالبسيط. الخطر في خياري اخونة الداخل كحل أو الإستحواذ على دولة نفطية كحل بديل هو أن فشل الواحدة منهما يدفع بالإسراع في الأخرى، أي أن فشل مشروع الأخونة في داخل الدول الفقيرة قد يكون محركا باتجاه الإستحواذ على النفط. ويخرج الإخوان من مواجهاتهم المحلية إلى مواجهات إقليمية أكثر تعقيدا. تصريح وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زاي د يرسم خطا في الرمل يقول للإخوان أن الإقليم قد يتعامل معهم داخل الدولة الوطنية ولكنه لا يستطيع أن يتعامل معهم على أنهم حركة عابرة للحدود.  هذه هي اول طلقة إعلامية في المواجهة ما بين الدول النفطية المستهدفة وبين مشروع الإخوان العابر للحدود.

دعني أبدأ بتبعات برنامج الأخونة في الداخل والذي فشل في نماذج أخرى مثل فلسطين والسودان وأدى في الحالتين إلى تقيسم الدولة في حالة السودان وتمزيق الحركة في حالة فلسطين. طبعا أخونة تركيا كنموذج احتوائي لتنوع الدولة والمجتمع غير النموذج الحمساوي الإقصائي أو نموذج الترابي- البشير المتطرف في إقصائيته في الحالة السودانية والذي ادى إلى فقدان الجزء الأكثر ثراءا من الوطن. تبعات أخونة الدولة لن تطال الدولة المحلية التي ينفذ فيها برنامج الأخونة ولكن ستطال  التنظيم العالمي الذي يمثل وحدة التخطيط الإستراتيجي للإخوان. مما يضع التنظيم في مواجهة مباشرة مع الدول الغنية في الإقليم ويؤدي إلى إختلال ميزان العلاقات الدولة في المنطقة وأبعد منها.
بداية وفي مصر لم  يكن يخطر ببال أحد أن كلمة الحل في شعار الإخوان "الإسلام هو الحل" تعني التفكيك وليس حل لمشكلة، فمشروع أخونة الدولة الذي نراه في كل من مصر وتونس بعد الثورة هو مشروع تفككيك للدولة وليس حلولا لمشاكل المواطنين، كما انه مشروع إقصائي يفرق وليس مشروع إحتوائي يجمع القوى الوطنية حسب الحد الأدني للتوافق الوطني، وهذا بالضبط ما أدى إلى فشل نموذج الحركة ف يكا من السودان وغزة.
الدم الساخن الذي سال في ميادين مصر يوم الجمعة 12 أكتوبر 2012 في مواجهات بين الإخوان المسلمين والقوى الرافضة لإخونة الدولة وتفكيك مفاصلها والرافضة أيضا لدستور الإخوان ، هو دم أخونة الدولة. لعنة الدم عندم المصريين منذ الفراعنة هي نذيرنهايات وزوال سلطة، فعندما يتخطى الحاكم عتبة الدم، لايجد من المجتمع من يؤيده، ويترك ليسقط بجراء فعلته، ومن ينظر الي الأحداث الأخيرة يرى بوضوح لا لبس فيه  أن الذي ازاح مبارك عن الحكم  في النهاية هو الدم الذي سال يوم ما عرف بموقعة الجمل، فقبلها بيومين وقبل الدم كان المجتمع المصري منقسم بين مؤيد ومعارض حول خطاب مبارك الثاني،  وما ان سال الدم حتى انفض القوم من حوله مبارك وتركوه يسقط. الذي ازاح المشير طنطاوي وشلته عن الحكم غير ماسوف عليهم ايضا هو الدم الذي سال في شارع محمد محمود والتحرير ومجلس الوزراء، لذا وعندما نفخ فيهم مرسي وطاروا لم يجدوا من يقف معهم، فعتبة الدم عند المصريين هي الفيصل ويبدوا أن الإخوان أقتربوا من تخطي هذه العتبة التي تنقلب عندها الموازين.
 هاجس الدولة العميقة المنقول من النموذج التركي والذي يسكن في رؤس الإخوان  كما العنكبوت ربما يكون فيه بذرة تحويل مشروع الأخونة إلى مشروع فوضى محلية. إقالة المشير طنطاوي وشلته كانت هي الإختبار الأول لنجاح برنامج أخونة الدولة أمام أعتى السلطات، ولما أكتشف الإخوان أن المجلسس العسكري وما كانوا يتخيلونه قوه ضاربة وسد منيع ضد الأخونة إنهار امام اعينهم في لحظة. بلغة سيدة الغناء العربي أم كلثوم "كان صرحا من خيال فهوى" مما شجع الإخوان على الإستقواء على السلطات الأخرى بضم الهمزة.  قرر الإخوان بالأمس أن يجربوا الشيئ نفسه مع مؤسسة القضاء، لذا اعلن الرئيس مرسي بالأمس عزل النائب العام عبدالمجيد محمود من منصبه وعينه سفيرا لمصر لدى الفاتيكان. والنائب العام حسب القانون المصري هو سلطة مستقلة لا يحق لأحد ان يعزله من منصبة بما في ذلك رئيس الدولة. ورفض النائب العام قرار الرئيس وتضامن معه قضاة مصر، وهنا دخل الإخوان في مواجهة مع مؤسسة القضاء التي بدت في اول مواجهة لها مع الإخوان أنها أكثر صلابة من العسكر. الرئيس مرسي الآن لديه سلطات الرئيس وسلطات مجلس الشعب وبقي أن يستحوذ على سلطات القضاء في يده حتى يصبح آخر الفراعنة الآلهة.
قبل الأمس كانت الإحتجاجات ضد النائب العام عبدالمجيد محمود بعد إعلان براءة المتهمين في موقعة الجمل ولكن اليوم الأمر اختلف أذ تتعاطف القوى الوطنية مع موقف النائب العام وترفض قرار مرسي للنائب العام والذي يعتبر خرقا لقوانين الدولة، إذن ما نراه في مصر هو أن الإخوان يفتحون جبهات مع كل القوى تقريبا وهم يقومون بعملية الأخونة التي هي في الأساس عملية زراعة الأعضاء الإخوانية في كل مفاصل الدولة، والدول العجوزة كمصر قد تلفظ زراعة الأعضاء.  كما أن قطاعات عريضة من المصريين تتهم الإخوان اليوم كما قال الشاعر المصري عبدالرحمن الأبنودي بأنهم "الحزب الوطني لكن بدقن"، فقضايا  التوريث وعلاقات الدم بدت سمة من سمات نظام الإخوان وأبرزها أن نائب الرئيس محمود مكي هو شقيق وزير العدل أحمد مكي. علاقات الدم كانت نقطة الضعف التي اسقطت مبارك، ومعظم شبكة أخونة الدولة هي تعتمد على علاقات الدم في المقام الأول، مما يحول النزاع في مصر من صراع ايدولوجي إلى صراع بدائي وقبلي تحكمه علاقات الدم. ولعنة الدم كما ذكرت أنفا هي نذير سقوط الدول وزوالها.
نتيجة لعدم خبرة الإخوان بما يعرف بإدارة القوة، من الوارد أن ينفلت عقال الأخونة وتتحول حالة من الفوضى. مهم أن نعرف أن العسكر منذ جمال عبدالناصر وحتى مبارك ركبوا على جهاز الدولة القديم وأقاموا شراكات مع بقايا نظام الملك وحتى مع الإخوان أنفسهم، ولم يمسوا مفاصل جهاز الدولة وعصبها لأنهم كانوا يعرفون مدى هشاشتها، فالدولة في مصر ليست كما في تركيا دولة عميقة، بل هي دولة هشة، ومتى ما تم العبث بها فقد تتطاير شظاياها في وجه جماعة الأخونة. انهيار نظام قوامه أكثر من ثمانين مليون نسمة له تبعات كبرى على مصر وعلى الإقليم. وليجهز الجميع نفسه إلى حالة من العبث لإنقاذ برنامج الأخونة، إما من خلال استخدام التنظيم الدولي في العبث بمقدرات دول غنية يتصور الإحوان أنها فيها أنقاذ لنظامهم، أو من خلال مزيد من الدماء داخل كل دولة على حدة. والإشارات واضحة في نماذج سابقة في غزة والسودان، فهذا خالد مشعل يقول أن مشروع حماس قد فشل، ومن قبله أعلن الترابي فشل مشروعه، بعد دفعت فلسطين والسودان ثمن المراهقة السياسية للإخوان. فهل ينجح أخوان مصر في الإنتقال من مراهقة الحركة إلى رشد الدولة كما  طابهم الوزير الإماراتي؟ المؤشرات غير مبشرة.

التعليقات