كتاب 11

07:13 مساءً EEST

‏السفينة والطائرة. لقاء الملك عبدالله مع الرئيس السيسي

على متن الطائرة الملكية التي تحط على الاراضي المصرية غداً يلتقي “كبير العرب” كما اسماه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشقيقه رئيس مصر المنتخب والذي استدعاه الشعب ليقود مصر في تلك اللحظة الحرجة. لقاء خادم الحرمين مع الرئيس السيسي يرسم ملامح مرحلة وعلاقة استراتيجية جديدة لا تقل في متانتها وصلابتها عن لقاء الملك عبدالعزيز مع روزفلت على السفينة الأميركية كوينسي، ذلك اللقاء الذي حدث في فبراير 1945 وحدد التزام أميركا بأمن الخليج من يومها الى الان ، لقاء السفينة جاء في لحظة فارقة في تاريخ الشرق الاوسط والحرب العالمية الثانية تضع أوزارها ولقاء الطائرة غداً سيرسم ملامح مثلث استراتيجي جديد أضلاعه السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة. وقد فوضت قيادة الإمارات الملك ان يتحدث باسمهم في لقاءه مع الرئيس المصري كما فوضوه من قبل حين أتى الرئيس الأميركي الى السعودية منذ أكثر من شهر. التفاهم السعودي المصري الإماراتي المدعوم عربيا هو رد الملك عبدالله بن عبدالعزيز على الموقف الغربي تجاه مصر. الملك عبدالله خير خلف لخير سلف استبدل السفينة بالطائرة. السفينة رمز للعلاقات مع أميركا والغرب ولكن كما كان واضحا من موقف المملكة العربية السعودية بعد ثورة المصريين في 30 يونيو 2013 التي أطاحت بنظام الاخوان رئيساً وتنظيم، عندما خير الغرب الملك عبدالله بين مصر وأميركا، اختار مصر بلا تردد. أرسل الملك عبدالله وزير خارجيته سعود الفيصل الى باريس برسالة واضحة مفادها ان الاعتداء على مصر هو اعتداء على المملكة ومصالحها. تكررت ذات الرسالة وبوضوح اكبر في تهنئة للرئيس السيسي والتي دعى فيها الملك الأشقاء والأصدقاء من القادرين المقتدرين الى دعم مصر. وحذر فيه قائلا ان من لا يقف مع مصر الان وفي وقت الشدة لن يجد العرب واقفين معه عندما يحتاجهم. الملك عبدالله واضح وصريح وغير موارب. واشهد على ذلك من خلال ثلاثة لقاءات مطولة اتاحها لي جلالة الملك لاستماع الى رؤيته والتي نشرتها بعدها في جريدة الشرق الاوسط. في كل لقاء كانت كلمات الملك لا تقبل تأويل او لبس. كلمات واضحة المعالم والمعاني. ورئيسنا المصري عبدالفتاح السيسي ليس اقل وضوحا او حسما. لست من مدرسة الفنان فريد الأطرش في الصحافة العربية كي ادعي ان الملك “قال لي وقلت له”، فلا أخلاقي ولا تدريبي الأكاديمي يسمحان لي بأن اطلق العنان للخيال. فقط انقل الحقيقة كما اراها. والحقيقة هي ان الملك عبدالله يحب مصر.
لقاء الطائرة في تبعاته التاريخية ودلالاته لن يقل عن لقاء السفينة. ولتستبشر مصر والمنطقة خيرا كثيراً من هذا اللقاء رغم أنف الحاقدين والمتربصين. سيكون اللقاء تاريخيا فيه ليس مجرد سلام او تهنئة اذ سيكون لقاءا رسميا موسعا على متن الطائرة الملكية. فيه وفدين رسميين يناقشا القضايا الرئيسية فيما يخص مصر والمنطقة برمتها ودور مصر في أمن الخليج والمشهدين في سوريا والعراق. لقاء الملك والرئيس سيحسم كثيراً من القضايا وسيسعد الشعب المصري بهدية الملك عبدالله لمصر ورئيسها.
في ظروف تاريخية معينة يحتاج البشر في أي مجتمع من المجتمعات، ليس المجتمع السعودي وحده، او المجتمع المصري وحده او المجتمع العربي وحده، إلى قيادات تتلخص فيها منظومة القيم التي يعتز بها ذلك المجتمع. وفي الحالة العربية التي بدت فيها القيم العربية مهددة من الخارج وعرضة للتآكل من الداخل، يبحث العرب، وباستمرار، للتجمع حول أي رجل أو عمل يرمز إلى تلك القيم، وربما هذا ما يفسر انجذاب كثير من العرب للملك عبدالله بفروسيته وشهادته وكرمه وللرئيس السيسي بحسمه في عزل رئيس الاخوان. فالعربي اليوم يبحث عن قيم الصدق والشهامة والفروسية التي تعلمها في المدارس، لأنها مكون أساسي في الشخصية العربية. في الوقت ذاته الذي يتعلم فيه العرب تلك القيم، هم أيضا يرون فجوة بين ما سميته «ماضي الافتخار وواقع الاحتقار»، وعندما يجيء فرد أو قائد ويملأ هذا الفراغ ويجسر الهوة بين قيم الماضي والواقع المعاش، ينجذب إليه العرب، وهذا ما جسده الملك عبد الله عند السعوديين بشكل خاص،وعند المصريين بشكل خاص جدا، وعند والعرب والمسلمين بشكل عام. لذا حظي أخيرا بلقب اكثر زعماء المسلمين شعبية. وقد لا أستطيع تفسير انجذاب العرب والمسلمين بأكثر من القول: إن جاذبيه الملك عندهم ترتبط بالمملكة العربية السعودية، مكانا ومكانة، فهي أرض الحرمين الشريفين، وهي، ربما، أقوى دولة إسلامية الآن من حيث الاقتصاد، إضافة إلى ما قلته عن شخص الملك ذاته. لكن تبقى كاريزما الملك على مستوى الداخل السعودي وقدرته على نقل هذه الكاريزما إلى مؤسسات الدولة هي ما أوجد ذلك التأييد الشعبي الكبير لكل مبادرات الملك. وفي السعودية يضع الشباب صور الملك على سياراتهم، وتخيط الفتيات صوره على عباءاتهن. وقبل واحدة من المقابلات الصحافية مع الملك، التي حاولت أن أعد لها من خلال محاولة معرفة رأي السعوديين في ملكهم، قال لي أحد السعوديين في جدة، انظر ماذا حدث منذ مجيء هذا الرجل إلى الحكم، جاء معه الخير، تضاعفت مداخيل البترول، وتضاعف الدخل، الدنيا وجوه، وعبد الله هو وجه الخير.
ما قاله الرجل يوحي بأن الله تعالى قد وهب الملك نوعا من البركة أو القبول، أو هكذا يرى الناس، وهذا ما سماه ميكيافيلي في كتابه المعروف «الأمير» بالفرتونا أو حسن الطالع، الذي يجعل الأمير أو الملك مقبولا لدى شعبه، هذا القبول أيضا، المصحوب بإسقاط لأحسن ما في قيم إي شعب أو حضارة على شخصية القائد، هو ما سماه عالم الاجتماع الألماني الشهير ماكس فيبر بالكاريزما، التي تجعل القائد قادرا على أن يجر شعبه معه لتأييد سياساته. وهذا ما استطاع الملك عبد الله فعله في السعودية. «لو قال الملك للسعوديين ارموا أنفسكم في البحر، سيرمون» هكذا قال لي سعودي آخر في الرياض، هذا التأييد الشعبي الجارف للملك عبد الله هو ما يجعل مبادراته تحظى بالقبول ومنها دعوته لمؤتمر لدعم مصر ورئيسها الجديد.
رئيسنا المصري أيضاً يحظى بالقبول الشعبي والعربي وايضاً كانت لديه من الثقة الحضارية ان يلقب شقيقه الملك عبدالله بكبير العرب وقال ان اول دولة سيزورها بعد تسلمه مقاليد الحكم هي المملكة العربية السعودية . كرم مصري من رئيس واثق.
ترى كيف جاء رد الملك عبدالله على كرم الرئيس المصري؟ الملك عبدالله بما هو معروف عنه من شهامة وفروسية ابى الا ان يكون هو السباق وهو الذي يأتي الى مصر مهنئا ولو من على متن الطائرة نظرا لظروف جلالته الصحية. ونحن كمصريين ندعو لخادم الحرمين بالصحة والعافية والشعب المصري يتطلع الى اليوم الذي يرى فيه الملك عب الله في شوارع القاهرة. ربما يومها سيشهد احتفالية غير مسبوقة. فمصر كلها تثمن موقف الملك وموقف المملكة حكومة وشعبا.
مصر كلها ترحب بالملك عبدالله في لقاءه بشقيقه الرئيس السيسي على ارض الكنانة في لقاء تاريخي يرسم ملامح المنطقة العربية وشكل التحالفات فيها لعقود قادمة.

التعليقات