كتاب 11

07:10 صباحًا EEST

مستقبل مصر.. السيسي رئيسا

 لا مفاجأة في انتصار الرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي على منافسه في الانتخابات حمدين صباحي وبفارق كبير، وليس مفاجئا أن تكون المنافسة بين الأصوات الباطلة والأصوات المؤيدة لصباحي تميل لصالح الأصوات الباطلة.

مع النتائج الأولية الكاسحة انتشرت احتفالات الشوارع في الكثير من المدن والقرى المصرية فرحا برئيس جديد أثبت منذ 30 يونيو (حزيران) الماضي التزامه بخارطة الطريق أو المستقبل التي أعلنها ولم يتبق منها إلا الانتخابات البرلمانية التي ستكون ذات تأثير كبير في مستقبل مصر القريب.

المقارنة بالانتخابات السابقة كانت مسيطرة على المشهد الانتخابي في مصر بشكل عام، سواء في الحملات الانتخابية أو التغطيات الإعلامية، وهي مقارنة غير صحيحة، فالفوارق بين العمليتين الانتخابيتين كبيرة ومؤثرة، فتلك كانت تخاض في ظل تنافس وحشد كبيرين بين الجهات المتنافسة، وحتى في المرحلة الثانية منها بين محمد مرسي وأحمد شفيق، فقد كان حجم الاستقطاب السياسي كبيرا والرشى الانتخابية في كل مكان، واستغلال الدين في العملية السياسية فاشيا، وقد شاب نتائج تلك الانتخابات الكثير من الشكوك في التزوير وفي النتائج المعلنة التي تحدثت حينذاك عن ضغوط كبيرة مورست ضد المجلس العسكري الذي كان يدير البلاد.

كان البعض يتخوف من قلة المشاركة حتى لا تتم المقارنة بما مضى، وهو تخوف خاطئ، فمن الطبيعي حتى في أعتى الديمقراطيات أن نسب المشاركة تعلو حين ينتشر الخوف وعدم الاستقرار، وتتدنى حين يبدأ الاستقرار، وهو تحديدا ما نجحت فيه خارطة الطريق أو المستقبل، بحيث انتشر الشعور ببدء استقرار الدولة وقدرتها على ضبط الأمن والنهوض من جديد.

لم تعلن اللجنة العليا للانتخابات بمصر النتائج الرسمية بعد، ولكن الأرقام من الحملتين الانتخابيتين ومن مراقبين ينتمون لجهات متعددة، تظهر فوزا كاسحا للسيسي وبأصوات ملايين المصريين التي تتفوق وبشكل واضح على أرقام الانتخابات السابقة التي حصل عليها كلا المرشحين، وبنسبة مشاركة عالية وليست ضعيفة كما حاول الإعلام الداعم لجماعة الإخوان المسلمين أن يروج في أيام الانتخابات الثلاثة.

جزء من هذه المعادلة كان باختيار السيسي نفسه، فهو كان حريصا في حملته الانتخابية وفي أحاديثه الشخصية تحديدا على الحديث بشكل واقعي وصريح عن المشكلات الكبرى التي تواجه مصر، وابتعد كثيرا عن الشعارات الانتخابية والوعود التي لن يستطيع الوفاء بها، وهذا هو عكس ما يصنعه غالب سياسيي العالم في حملاتهم الانتخابية، ونستطيع تذكر شعار حملة الرئيس الأميركي «نعم نستطيع» هكذا بكل إطلاق، وقد شاهد الأميركيون والعالم أداءه السياسي كصانع قرار ضعيف بعيدا عن الشعارات العامة، إن هذا لا يعني أن السيسي لم يقدم وعودا، فقد فعل ولكنها وعود معقولة في غالبها وقابلة للتنفيذ.

اكتمل عقد التحالف السعودي الإماراتي باختيار الشعب المصري للسيسي رئيسا، وهو الذي عبر مرارا وتكرارا عن امتنانه للدولتين ولقيادتيهما لدعمهما لخيار الشعب المصري وجيشه وشرطته، وبهذا سيكون على خصوم هذا التحالف إعادة النظر في مواقفهم وسياساتهم، وسيكون على هذا التحالف أن يسوي أي خلافات تفصيلية تجاه الملفات المهمة في المنطقة، وبخاصة ما يتعلق بالملف السوري.

تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الأربعاء الماضي عن رؤيته لسياسة إدارته الدولية تجاه العالم وتجاه المنطقة، وهو أكد ما كان معروفا من تبنيه لسياسة الانعزالية وإن بتبريرات جديدة، فهو تحدث في القاعدة الأميركية الشهيرة «ويست بوينت» عن أن أميركا لن تتحرك عسكريا إلا عند تهديدها مباشرة، وأضاف: أو تهديد حلفائها، وهو أمر يشكك فيه الكثير من الحلفاء حول العالم من اليابان وكوريا إلى الدول العربية، ورأى أن العقوبات الاقتصادية كافية، بينما لم يتحدث عن اجتماع الأمرين معا وأثره وقيمته.

سيدعم هذا التحالف عودة الاستقرار السياسي في ليبيا ومحاربة الإرهاب الذي يريد أن يجعل منها مستقرا ومنطلقا لجماعات الإرهاب لاستهداف مصر والدول العربية والعالم أجمع، وسيجري الأمر ذاته في دعم اليمن لاستعادة الاستقرار بأي صيغة يرتضيها اليمنيون.

لم تنته الآلام بل ابتدأت، ولم تنقض ضخامة المشكلات بل بدأت مصر خطوة في طريق الألف ميل للتفتيش عن الحلول وتنفيذها، وأولى الخطوات لذلك هي استعادة استقرار الدولة وفرض هيبتها، ذلك الاستقرار الذي تعاديه كل قوى «استقرار الفوضى» من أحزاب وتيارات، ومن رموز وكتاب، ينتمي أغلبهم لليسار أو للإسلام السياسي، ويتبعهم على ذلك ما كان يعرف بالتيارات الشبابية الثورية بوعي أو من دونه.

تعبير المرشح الخاسر حمدين صباحي عن قبوله لنتائج الانتخابات وتقبله للخسارة واحترامه لخيار الشعبي المصري أمر جديد في التاريخ السياسي الحديث لمصر، وهو إيجابي ويستحق الإشادة، وبإمكان السيد صباحي رغم الخسارة الثقيلة أن يعيد ترتيب أوراقه ويسعى لتشكيل معارضة محترمة في انتخابات مجلس النواب القادم.

لم تشكك أي جهة ذات مصداقية في نزاهة الانتخابات واستبعاد التزوير، بل على العكس فقد أكد مراقبو الانتخابات على نزاهتها دوليا وإقليميا وداخليا، فقد أشاد مراقبو الاتحاد الأوروبي بها، وفعل الأمر ذاته مراقبو الجامعة العربية، بل إن مركز ابن خلدون في مصر أكد على لسان رئيسه سعد الدين إبراهيم أنها انتخابات غير مسبوقة في نزاهتها.

تتخوف بعض التيارات داخل مصر وخارجها من عودة حكم العسكر لمصر، وهو تخوف مبني على تصور خاطئ لما جرى في 2011؛ فهم لم يزالوا يتصورون أن التيارات الشبابية هي التي أسقطت حكم مبارك، والواقع يقول إنه لولا انحياز الجيش عن النظام لانتهت تلك المظاهرات كسابقاتها، ومحاولة إنكار دور الجيش إنما هو محاولة مستمرة للاستسلام للأحلام والأماني التي سيطرت على المستبشرين بما كان يعرف بالربيع العربي والتي أثبت الوقت والأحداث والوقائع أنها واهمة.

ستستمر جماعة الإخوان المسلمين في خيارها الاستراتيجي برعاية الإرهاب والتخطيط له وتنفيذه في محاولة تخريب مصر دولة وشعبا، وهو ما سيزيد من ضعفها وكراهية الشعب لها، وبخاصة بعد الضغوط المستمرة على الدول العربية والإقليمية الداعمة لها، ولن يكون بإمكان أحد أن يتفاوض معها، ولكنها لن تنتهي في المستقبل القريب، فمواجهتها تحتاج لخطط استراتيجية متكاملة وطول نفس.

أخيرا، فقد أوضحت نتائج الانتخابات أن 30 يونيو كان يمثل إرادة الشعب المصري أكثر من جماعة آيديولوجية منظمة، وأكثر من شباب ثائر بلا قاعدة شعبية حقيقية، وأن جماهير الفئتين لا تمثل الشعب، بل هي مجرد فئات منظمة أو عالية الصوت منه.

التعليقات