كتاب 11
محنة المسيحيين فى العراق
أنفجر بركان الكراهية الطائقية بعد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وخاصة بين المكونات الثلاثة الكبيرة هناك وهم الشيعة والسنة والاكراد، وقد أستهدفت الأقليات الدينية الصغيرة كالمسيحيين واليزيديين والصائبة والشبك من الطوائف الثلاث الكبيرة فى محاولة من كل طائفة لتكوين منطقة تقتصر على رعاياهم فقط وذلك تحسبا للأستقلال وتكوين دولة مستقلة فى المستقبل. ووفقا لتقرير الحريات الدينية الأمريكى فأن المسيحيين وأعضاء الأقليات الدينية استهدفوا بسبب هويتهم الدينية وذلك بالقتل والضرب،والاختطاف،والأغتصاب، والزواج القسرى، والتهجير القسرى من منازلهم ومناطقهم وأعمالهم، والهجمات العنيفة ضد كنائسهم ودور العبادة الأخرى.
والمسيحيون فى العراق يعدون اقدم جماعة مسيحية فى العالم، وهم سكان ما بين النهرين الأصليين،أحفاد البابليين والكلدانيين والأشوريين،وهم بهذا يشكلون أقليات دينية وعرقية فى نفس الوقت.
تشير التقارير المختلفة إلى الأستهداف المتعمد لمناطق تركز المسيحيين فى البصرة وبغداد والموصول وكركوك وسهل نينوى، وقد تسبب ذلك فى حدوث أكثر من 200 تفجير كبير لمناطق مسيحية بعد 2003 نتج عنها تدمير 62 كنيسة ودير،وقتل من جراء ذلك آلاف الأشخاص بما فيهم عشرة من رجال الدين المسيحى من بينهم مطران الكلدان للموصل فرح رحو، وتعرض 500 محل يملكه مسيحيون فى البصرة للحرق والتدمير والنهب، ومن جراء هذا الرعب ترك العراق حوالى 670 الف شخص بعد 2003 من أصل مليون شخص كانوا متواجدين قبل الغزو الأمريكى. وتشير التقديرات إلى وجود مليون و 400 الف مسيحى عراقى قبل عام 1991 ، ولكن فى ظل الحصار الغربى على العراق هاجر حوالى 400 الف شخص معظمهم إلى أوروبا وأمريكا واستراليا. معنى هذا أن عدد المسيحيين اليوم فى العراق يقدرون ب 330 الف شخص يمثلون نسبة 23% فقط من اعدادهم التى كانت متواجدة قبل عام 1991 ويمثلون 33% فقط من اعدادهم قبل الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، ولهذا يصف المؤرخ والأكاديمى دانيال بايبس ذلك بأن المسيحيين يختفون من العراق، حيث أن ما يحدث لهم يشيه ما حدث لليهود العراقيين بين عامى 1948 و1968 بحيث أنتهى وجودهم تماما فى العراق.
أما الطوائف الدينية الصغيرة جدا مثل الشبك واليزيديين والصائبة فقد اختفوا تقريبا تماما من العراق بعد عام 2003.
تتحمل الولايات المتحدة جزءا من مسئولية هذه المأساة التى تعرض لها المسيحيون فى العراق،كما تتحمل الحكومات العراقية المختلفة بعد عام 2003 الجزء الأكبر من المسئولية خاصة حكومة نورى المالكى التى لم تقدم أى حماية لهذه الأقلية المسالمة ولم تقدم أى مبادرة لتعويض الضحايا أو حتى مجرد تأمين عودة المهجرين داخليا ودوليا، كما تتحمل الدول الغربية جزءا من المسئولية نتيجة نوجيه دعمها ومعوناتها المالية إلى حكومات فاسدة فى حين تتجاهل هذه الأقليات الدينية التى تعانى من استهدافا منظما.
إن المسيحيين فى العراق،مثلهم مثل كل مسيحى الشرق، يدفعون ثمن الأزمات الدولية وأزمات المنطقة والحروب الأهلية كما يدفعون ثمن أخطاء الغرب، وثمن الكراهية الدينية التى تزايدت فى العقود الأربعة الأخيرة بعد ظهور ما تسمى بالصحوة الإسلامية ، فى حين لا يجدون حماية أو رعاية من المجتمع الدولى الذى يتفرج على مأساتهم.
وفى ظل هذه المحنة المستمرة يطالب ما تبقى من المسيحيين العراقيين بإدارة ذاتية فى مناطقهم خاصة بسهل نينوى وكذلك بجزء من الثروة والتنمية يستطيعون من خلالها الإحتفاظ بما تبقى من تراثهم وجذب جزء من المهاجرين وخاصة لدول الجوار للرجوع إلى ديارهم، فهل يجد هذا النداء دعما من الحكومة العراقية ومن المجتمع الدولى أم سيتركون المسيحيون هناك يختفون من أرض أباءهم واجدادهم؟.