كتاب 11

10:58 صباحًا EET

كنز عبد الوهاب!!

أمس مر 23 عاما على رحيل الموسيقار الكبير عبد الوهاب الذي لم يكن فقط فنانا استثنائيا أضاء حياتنا بأرق الأنغام، ولكنه لعب دورا محوريا في تشكيل الوجدان العربي الموسيقي خلال زمن يقترب من ثلاثة أرباع القرن العشرين.

قدم عبد الوهاب للمكتبة العربية في حياته عشرات من الدرر الموسيقية التي لا نزال نقتات عليها، أما بعد رحيله فلقد اكتشفنا أنه لا يزال يحتفظ بذخيرة غنائية مجهولة، وفي الأشهر الأخيرة بدأ يتردد في الكواليس عن ألحان نادرة صاغها عبد الوهاب وغناها بصوته تصل إلى 40 لحنا أنجزها في منزل الفريق شمس بدران وزير الدفاع الأسبق في زمن عبد الناصر، وأشار إليها بدران في مذكراته التي جرى تداولها مؤخرا في أكثر من مطبوعة. لن نتوقف في هذه المساحة عما يحيط بمذكرات وزير الدفاع المصري الأسبق من ملاحظات هنا أو هناك، ما يعنيني هو فقط تلك الألحان التي سجلها عبد الوهاب على العود وأصبحت بمثابة ثروة ضائعة. هذا الكنز النادر أبدعه الموسيقار الكبير في النصف الأول من الستينات، وهي المرحلة التي كان فيها صوته في ذروة اكتماله وعنفوانه، حيث كان يذهب إلى منزل شمس بدران الرجل القوي في تلك السنوات ليسجل ألحانا لقصائد وأغنيات من شعر بشارة الخوري وكامل الشناوي ومحمود حسن إسماعيل وغيرهم، بل إن حلمه باستكمال أوبريت «مجنون ليلى» لأمير الشعراء أحمد شوقي قد حققه، حيث غنى تلك القصائد بصوته. شمس بدران طوال تلك السنوات لم يتعاقد على صفقات تجارية يبيع بمقتضاها لأي شركة هذه الألحان التي لا تقدر بالطبع بثمن.

لا أدري لماذا لم يستشعر أحد بأننا نفرط في جزء من تاريخنا، وأن هذا التراث ليس ملكا حتى للورثة الشرعيين ولكنه ملك لكل العرب.

الألحان والأغنيات التي يحتفظ بها شمس هي التي تستحق من الجميع التدخل لاسترجاعها، البعض يقلل من قيمة هذه الألحان على اعتبار أن عبد الوهاب قد أبدعها وهو واقع تحت سطوة شمس بدران الرجل القوي في مصر، أتحدث بالطبع عن مرحلة ما قبل هزيمة 67، فهي ألحان أنجزها تحت التهديد، ولهذا فإنها في وجهة نظرهم متواضعة اضطر الموسيقار الكبير إلى أن يدندن بها على العود حتى لا يغضب السلطة التي من الممكن أن تبطش به لو لم يستجب لها، وتناسى هؤلاء أن رائعة «انت عمري» التي لحنها عبد الوهاب لأم كلثوم عام 1964 قدمت هذه الأغنية والتي وصفت بأنها «لقاء السحاب» بناء على أوامر مباشرة من الرئيس جمال عبد الناصر إلى عبد الوهاب وأم كلثوم، طلب منهما أن يتناسيا الخلافات الشخصية ويقدما للجماهير أغنية مشتركة.

لا أتصور سوى أن عبد الوهاب وهو يذهب لتسجيل أغنياته لدى وزير الدفاع الأسبق إلا وقد لحنها للزمن القادم، كان عبد الوهاب أثناء حياته التي عاصر فيها رئيسين، السادات ومبارك بعد رحيل عبد الناصر، لا يشير أبدا من قريب أو بعيد إلى تلك الألحان إلا فقط مرة واحدة وعلى استحياء، وفي حوار له مع الشاعر فاروق جويدة بعد أن طلب منه أن ينشره بعد رحيله، ولكنها ظلت مجرد كلمات مرسلة حتى أكدتها مؤخرا مذكرات شمس بدران.

لماذا لا نعتبر احتفالنا بذكرى عبد الوهاب هو نقطة الانطلاق لكي نبدأ في استعادة هذا التراث الغنائي النادر الذي تنشده أرواحنا؟ فلا نزال نتوق إلى نفحة وهابية تنعش أرواحنا، بعد أن حاصروها وخنقوها من هنا وهناك بهذا السيل المنهمر من أغاني على شاكلة – عفوا – «بحبك يا حمار»!!

التعليقات