كتاب 11

07:55 صباحًا EET

أروح لمين؟

احيانا اجد نفسى أكتب مقالا لا تبرره أدوات علوم السياسة التى تعلمتها، وأجدنى مشدودا الى المقال شدا رغم انه احيانا يحمل تبعات سياسية أو موقفا لا يصح لعاقل ان يتخذه. هذا المقال واحد منها.

قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كتبت مقالا فى إحدى الصحف المصرية قلت فيه ان مصر كانت مثل سيارة مالت كلها على جنب واحد. إذ حملت الدولة كل أحمالها على جانب واحد من السيارة وهو الجانب الأمنى وتركت الجانب السياسى فارغا. فانقلبت السيارة فى اقرب ترعة وهذا ما حدث بالفعل . أما اليوم وقبل الانتخابات الرئاسية فسيارة مصر ليست مجرد سيارة بل اتوبيس كبير «يتشعبط» الغالبية فيه على جانب واحد فى حالة زحام شديد مثل اتوبيسات شبرا.

هذا الاتوبيس الذى يتشعبط فيه الخلق هو اتوبيس الرئيس المحتمل، وكل يتشعبط لأهدافه. البعض يظن ان «الشعبطة» على هذا الجانب من الاتوبيس تقيه نيران الاخوان التى تنطلق تجاه الاتوبيس من الجانب الاخر والبعض الاخر يريد ان يتشعبط كى يضيع فى الزحام والبعض الاخر يتشعبط لانه لايريد دفع فاتورة نظام سابق كان هو جزءا منه وخائفا من ان يأتى المحصل او الكمسرى ويطالبه بدفع ثمن التذكرة او ينزل فى اقرب محطة. البعض يتشعبط من اجل السرقة فكما سرق الاخوان ثورة 25 يناير، هناك النظام القديم الذى يريد ان يسرق ثورة 30 يونيو او يعتبر نفسه قائدها . النشل جهارا نهارا هو من صفات الاتوبيس وملامح الشعبطة. المهم فى كل هذا هو انه وكما مالت سيارة مصر على جانب العجلات اليمنى التى تمثل الشق الأمنى للنظام السابق ولم توزع الأحمال بين الجانبين السياسى والامنى فانقلبت السيارة فى اول ترعة فى 2011، ارى ان الشعبطة الزائدة على جانب الرئيس المحتمل الان هى فوق حمولة الاتوبيس وقد ينقلب فى اقرب ترعة ان لم توزع الأحمال وبسرعة.

رغم كل هذه الشعبطة الا ان الاتوبيس «فاضى جوه» لكن الذين يتشعبطون لا يريدون دفع ثمن التذكرة. فقط يريد الواحد منهم ان يقفز من الاتوبيس عند محطته معلنا لقومه ومن يريد إبهارهم انه كان راكبا فى أتوبيس الرئيس المحتمل. أتوبيس مضمون من حيث المسير، ولكن ليس هناك من يريد ان يصل معه لآخر الخط ويدفع التذكرة او فاتورة لا قدر الله اى فشل. الشعبطة شراكة فى النجاح فقط وقفز من الاتوبيس مع اى احتمال للفشل.

إلى هنا ما هى علاقة هذا السرد بعنوان «أروح لمين»، المأخوذة من احدى أغنيات سيدة الغناء العربى ام كلثوم؟

الموضوع برمته مربوط بثورتى الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013 حيث كان الجيش بالنسبة للشعب الثائر فى الحالتين هو وحدة الإنقاذ او سيارة الإسعاف او الرقم الساخن الذى اتصل به الشعب المصرى لينقذه من براثن نظام مبارك فى 2011 او من حالة لزجة كما زلال البيض تملكت من المجتمع المصرى لمدة عام وهى حالة نظام الاخوان فى 2013. فى الحالتين كان الجيش هو المنقذ او الملاذ الأخير أو سيارة الإسعاف. أما اليوم فنحن فى حالة يبدو وكأن الجيش يمكن ان يتورط فى السياسة بشكل شبه مباشر، هنا يهمهم المصريون وهم فى طريقهم للتصويت للرئيس بأغنية الست «اروح لمين؟ وبقية الاغنية معروفة.

أنا لا اتنصل هنا مما قلته فى السابق، حيث طلبت من أهم المرشحين ان يتقدم الصفوف ويرشح نفسه للرئاسة وكانت حجتى دائما ان هذا الرجل يمتلك من الدعم الشعبى ما يجعله شخصية محل إجماع وطنى، تأخذ الوطن بعيدا عن براثن الشقاق وتخلق حالة من الالتئام للجرح الوطني. ومازال هذا رأيى. لكننى لم أكن محتسبا يومها لحالة الشعبطة او حجمها على اتوبيس الرئيس مما جعله يقارب الانقلاب على الناحية الاخري. شعبطة دبث أند سكوب depth and scope للدرجة التى نحتاج فيها لعلماء فى الرياضيات او الفيزياء او الاثنين معا لحساب معامل الشعبطة coefficient فى المجتمع المصرى خلال الشهور المقبلة.

على الرئيس المحتمل إما أن يقفل باب الاتوبيس ويمشى »فاضي« الى الطريق الصحيح والصعب الذى تحتاج مصر ان تسير فيه وبسرعة كى يسقط المتشعبطون او يطالبهم بالدخول داخل الاتوبيس وكل منهم يدفع تذكرة ليصبح شريكا فى النجاح او الفشل.

فشل الرئيس القادم ليس خيارا أبدا لان فى فشله فشلا للدولة برمتها. فمحتمل ان يكون الرئيس القادم هو من هذا الملاذ الأخير وهو الجيش. وفشله له تبعات على مصر وعلى الجيش.

ومن هنا اطلب وبصراحة ان يكون هناك فاصل واضح وعازل للصوت والصورة بين الجيش والرئيس القادم ايا كانت ثقتنا فى الرئيس، ليبقى جيشنا كما عودنا هو الملاذ الأخير . هو تليفون الشرطة والنجدة والإسعاف وإطفاء الحريق حين نحتاجه.

الجيش حمى مصر من جماعة مبارك ومن جماعة الإخوان، وكان ملاذ مصر الأخير ونحن نريده كذلك. ففى حالة شعب تعود ان يثور وأسقط نظامين فى ثلاث سنوات، لن نتصل بدولة اجنبية كى تنقذنا لو حدث المحظور لا قدر الله.

حفظ الله جيش مصر الذى يجعل لأغنية الست دائما معنى.

التعليقات