كتاب 11

01:36 مساءً EET

البرنامج هو الضرورة لا المرشح

الاستاذ هيكل صحفي قديم ولابد من احترام خبرته التاريخية وجزء من احترامه ان نأخذ كلامه مأخذ الجد ونناقشه بما يليق من صرامة. وعندما تنشر كل صحف مصر تقريبا ما قاله بالأمس تلفزيونيا فهذه ظاهرة صحفية تحتاج نقاش صارم إذ تجاوزت المهنية، وهذا مقال آخر. عندما يقول هيكل أن المرشح عبدالفتاح السيسي مرشح “ضرورة ولا يحتاج الى برنامج” فهذا رأي يعكس مزاج قطاع كبير من أبناء الوطن عندما يقوله شخص عادي على مقهى فهذا مقبول أما ان يقول رجل بخبرة هيكل يكون غير مقبول لان الناس يتوقعون من هيكل ومن هم في سنه وخبرته رؤية تحليلية لا ترديد كليشيهات.

 “لا يحتاج الى برنامج” لها دلالات خطيرة أولها أن معسكر السيسي الذي يشاع ان هيكل جزءا منه ليس لديه رؤية للمرحلة القادمة والتي تعد من أخطر مراحل التحول في التاريخ المصري المعاصر. مصر اليوم تحتاج الى برنامج واضح الملامح وأولى ملامح هذا البرنامج هو إرساء دعائم شرعية النظام السياسي برمته legitimacy of political order اي إرساء دعائم المعارضة والنظام معا وتوسيع المشاركة لتشمل كل الوطن وتصبح مصر بحجمها الحقيقي كدولة لا مجموعة منتجعات في القاهرة. برنامج السيسي يتطلب ثانيا إطار للأمن الإقليمي والمحلي قابل للتنفيذ framework for security.

لدينا أنصاف أفكار تدور في رؤوس الكثيرين من النخبة حول نفخ روح الحياة في الاقتصاد المصري ومعظمها أفكار تقليدية جربت في سياقات مختلفة في افريقيا وأميركا اللاتينية وفشلت. مصر تحتاج الى تطبيق رؤية اقتصادية نجحت في سياق يشبه الحالة المصرية الانتقالية. تحديات مصر التي يجب ان يناقشها برنامج السيسي تبدأ من الهوية المصرية والتي تحتاج الى برنامج ثقافي بمعناه الواسع ووزارة ثقافة جديدة برؤية جديدة غير ثقافة مبارك وثقافة مرسي.

إعادة بناء الشخصية المصرية والهوية المصرية هي اولى تحديات الدولة. تغلغل الدولة في كل حدودها من شلاتين الى رفح هو تحدى وجودي يحدد مدى احترام الجوار للدولة المصرية. برنامج السيسي لابد وان يعيد فكرة الشراكة للإنسان المصري في وطنه ليصبح مساهما في الشركة الكبرى المسماة بمصر يخسر عندما تخسر ويكسب عندما تكسب. نعم السيسي لبى نداء الشعب ولكن الشعب عندما ناداه كان يتوسم برنامجا لا مجرد الرجل. المصريون يريدون أن يعرفوا وبوضوح أن السيسي ونظام حكمة يختلف جذريا عما سبقه من أنظمة وبينه وبين الأنظمة السابقة من مرسي الى مبارك طلاق بائن على مستوى الأفراد والأفكار . إذ كانت أفكار بائسة وأفراد أكثر بؤساً من حيث الأداء. السيسي يحتاج الى “البرنامج” وليس برنامج باسم يوسف أو برنامج هيكل . يحتاج الى برنامج بدون فواصل إعلانية او فتيات وشباب إعلانات. طبعا الحديث عن مفهوم “مرشح الضرورة” فيها إهانة لخبرات وتاريخ السيسي الشخصي.

الشيء الضرورة يبدأ من جلدة حنفية السباكة إلى الهويس في نهر النيل ولكنه مفرغ من قدرته الانسانية والإرادة. مجرد شيء. وظني ان هيكل لا يقصد ذلك. لدينا في مصر مدرسة ممن يعجبهم تراكيب الجمل وجرسها وبلاغتها دونما دراية بدلالاتها.هذه المدرسة فيها إساءة للسيسي ولأي مصري. السيسي لبى النداء الوطني، نداء الشعب وعزل مرسي حدث نتيجة هذه العلاقة بين السيسي والشعب. السيسي وحده لم يكن قادرا على إنهاء نظام الاخوان كما أن الشعب وحده لم يكن قادر أيضاً. أنها الشراكة بين السيسي، وهو هنا رمز للجيش لا للفرد، والشعب التي أنقذت مصر من ظلمات الاخوان. احترام هذه العلاقة بين الجيش والشعب وتعريفها تعريفا دقيقا civil-military relations من أهم تحديات برنامج السيسي. الضرورة الوطنية تقتضي البرنامج قبل المرشح.

التعليقات