كتاب 11

07:45 صباحًا EET

خطوط التماس السياسي في الكويت

تهيأ الأرض لإعادة رسم خطوط التماس السياسي في الكويت، الساحة هي الاتفاقية الأمنية التي وقعتها دول الخليج، ومعروض للتصديق عليها في مجلس الأمة، إلا أن الجسم السياسي الكويتي يتهيأ للاستقطاب، كما تتعرض التحالفات التي استقرت منذ عامين إلى التغيير، وتنقسم النخبة السياسية بين مؤيد لهذه الاتفاقية ومعارض لها، وقد بدأت الصحف وأيضا وسائل الاتصال الاجتماعي تتناول الموضوع كل من وجهة نظره باستفاضة وأيضا بانتقائية.

الاتفاقية الأمنية المعروضة وقعت في الرياض في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 واعتمدت في قمة دول الخليج في المنامة في ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، وهي من المفروض أن تحل محل اتفاقية سابقة وقعت في 28 نوفمبر عام 1994 بعد سنوات قليلة من تحرير الكويت، واستمرت حتى اليوم.

الاتفاقية الجديدة من المفروض أنها هضمت ما كانت تعترض عليه الكويت الرسمية وتفهمت مآخذ المشرع الكويتي في النصوص السابقة، كما تقلصت موادها لتصبح مكونة فقط من عشرين مادة، بعد أن كانت السابقة من خمس وأربعين مادة. كما أخذت بعين الاعتبار الاحتمالات التي أفرزتها أحداث ضربت المنطقة في السنوات الثلاث الأخيرة.

وتنص الاتفاقية المعروضة على أن تتعامل الأطراف في إطار هذه الاتفاقية «دول مجلس التعاون» وفق تشريعاتها الوطنية، والتزاماتها الدولية، كما تنص على أنه «يجوز لكل دولة أن تنسحب من الاتفاقية بإخطار كتابي يرسل إلى الأمين العام لمجلس التعاون». هذان النصان مقنعان للمؤيدين على سلامة انسجام الاتفاقية مع دستور الكويت، ولكن آخرين لهم رأي مخالف.

انقسام النخبة في الكويت بين مؤيد ومعارض، هو انقسام طبيعي في بلد مثل الكويت، تعودت نخبتها على الاختلاف تقريبا على كل شيء! إلا أن الأمر هذه المرة أعمق من ذلك. فالمؤيدون يرون أن حاجة الكويت لمثل هذه الاتفاقية هي حاجة الضرورة، كما عبر عن ذلك مؤخرا أمين عام مجلس التعاون الخليجي الأسبق السيد عبد الله بشارة، وهو رجل بجانب كونه صاحب خبرة، يتمتع برؤية استراتيجية مكنته منها سلسلة انشغالاته في المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، كما يرى آخرون من الساسة، أن نصوص الاتفاقية «لا تنسجم مع مبادئ الدستور الكويتي» ويسوقون الحجج التي تبين وجهة نظرهم، دون العودة إلى النصوص التي تضمن عدم الجور على ما استقر من ممارسات في الكويت أو جرح حقوق المواطنة.

حقيقة الأمر أن الخلاف في جوهره سياسي أكثر مما هو فني، فالبعض يرى الزوابع الإقليمية التي تنتشر حول الخليج والتغيرات العميقة التي تجري بجواره، سببا كافيا لأخذ الحيطة، ويرغب أن ينأى ما أمكن عن تأثير تلك الزوابع من اليمن جنوبا حتى العراق شمالا، ومن إيران شرقا حتى سوريا غربا. وهي زوابع كثيفة وبعضها مدمر. فاللجوء إلى ساتر إقليمي يمكن أن يجنب الوحدات الصغيرة في الخليج، والكويت منها، كثيرا من المخاطر التي من المؤكد أنها قادمة نتيجة هذا التخلخل السياسي في الأجواء المحيطة، ويعطي بعض الضمانة للاستقرار المرجو، هو لجوء حتمي. بعض الأطراف السياسية التي هي بطبيعتها تترقب الفرص، المحدودة حتى الآن، لتعظيم الحراك السياسي، تفكر في الأمور بطريقة قصيرة المدى، وترى أن معارضة الاتفاقية وتضخيم المخاوف حولها، تفتح طريقا ممكنا للمناكفة السياسية، وهي مناكفة كانت تنتظر الفرصة والظرف والموضوع لا أكثر، من أجل سحب العمل السياسي من خانة المؤسسات إلى خانة الساحات.

تمت الموافقة على الاتفاقية الأمنية في خمس دول من الست المكونة لمجلس التعاون دون ضجيج يذكر أو حراك سياسي سلبي، الكويت السادسة هي التي وقعت عقد القران، إلا أن بعض الأهل يعارضون إتمام الزواج، ومن الواضح أن هذه المعارضة تحمل تخوفا بعضه له علاقة بأمور أخرى ليست مباشرة، أو لها فتح باب النقاش السياسي الموصد، وهي مصممة على إفساد الزفاف، بل وتحويله إلى مأتم إن أمكن.

المناكفة السياسية قد تتطور إلى صراع سياسي تفتح فيه الملفات العالقة، وهذا احتمال، ولكن الاحتمال الآخر أن لا يخرج عن مناكفة لا تتعدى بعض النخب السياسية وتمر الاتفاقية. سوف يعتمد أمر المرور أو المنع على مجموعة من الاحتمالات من بينها طريقة تناول أعضاء أو أكثرية أعضاء مجلس الأمة الحالي للاتفاقية، وتنبئ الحسابات الأولية على اصطفافات جديدة، تخلخل التحالفات السابقة. أما الاحتمال الثاني هو إمكانية عدم تمرير الاتفاقية عند عرضها، وقد تحسبه المعارضة انتصارا يبنى عليه. سوف يتوقف الوصول إلى أي من الاحتمالين السابقين على قدرة الحكومة على تسويق الاتفاقية وشرح أهميتها للكويت في الوقت الحالي والمستقبل، وقد تهيأت منذ الآن ساحة النقاش من خلال إصدار بعض البيانات وأيضا المقابلات التلفزيونية الساخنة.

طبعا هناك احتمال ثالث ممكن وهو اللجوء إلى الخطة (ب) بأن تسحب الحكومة الاتفاقية برمتها، ولا تعرضها في الوقت الحالي – شديد الاستقطاب – ويتم تأجيل التصويت عليها إلى وقت آخر، وهو أمر محتمل ولكن يحمل مخاطره أيضا. فسحب الاتفاقية من التداول السياسي، يرجح احتمال انتصار سياسي للمعارضة، كما يثير قلق أطراف في مجلس التعاون، ترى أن وجود الكويت في فضاء الوفاق الخليجي أفضل كثيرا من بقائها خارجه.

على جانب آخر تزداد فيه التهديدات القادمة من منظمات الإرهاب الإقليمي، كما تتزايد فيه المخاطر من الجريمة المنظمة، واحتمال الإزاحة السياسية من الانفجارات الجيوسياسية المحيطة، مع التغيرات المنتظرة في التحالفات الإقليمية والدولية تغدو عملية اعتصام دول مجلس التعاون جميعا ببعضها قضية مصيرية لجميع الشعوب المنضوية تحت المظلة الخليجية، وهي تعرف التهديد وأماكن تجمعه واحتمالاته، وتصبح الاتفاقية المعروضة ذات المنحى المعتدل حدا أدنى لتلافي كارثة قد تحل.

يذكرنا الموقف الحالي بموقف مشابه، وإن اختلفت المعطيات التي تكونت عشية عام 1990 عندما تعاظم التهديد وفكر البعض ودعا إلى الاستعانة بالحلفاء لدرء الأخطار، إلا أن الجو السياسي الداخلي كان ضاغطا إلى درجة ساعدت في نهاية المطاف على التفريط في الأمن الوطني، ونتائج ذلك ما زالت قائمة وقد كانت وقتها مميتة.

يرى البعض أن نصوص الاتفاقية الأمنية المعروضة مرنة وممكنة القبول وربما رادعة لمن تسول له نفسه العبث بالأمن الإقليمي، إلا أن الدفاع عنها وشرح نصوصها لم يظهر على السطح بعد، إما بسبب عدم قدرة أو العزوف عن الرغبة في الخوض فيها حتى لا تكبر كرة الثلج التي يرغب البعض بإثارة التهاب سياسي حولها.

سوف تفصح لنا الأيام القليلة القادمة نتائج المعادلة الصعبة، وربما العصية على الحل السريع.

آخر الكلام:

يبدو أن جزءا من الصراع المحتدم على مجمل الساحة العربية، هو صراع بين جماعات صغيرة ولكن منظمة، وجماعات كبيرة ولكنها سائبة، المنطق يقول إن الغلبة هي للجماعات المنظمة حتى لو صغرت.

التعليقات