مصر الكبرى

11:38 مساءً EET

زفة قنبلة مرسي ؟

قنبلة مرسي ، هكذا عنونت كبريات الصحف العربية صفحاتها الاولى وكذلك المقالات الرئيسية لرؤساء تحريرها، و بدت معظم الصحف العربية والمصرية وكانها تقود حملة مدفوعة الأجر للانتصار الوهمي الذي حققه رئيس مصر في ايران في قمة عدم الانحياز بتسليمه في كلمته التي القاها على الصحابة الاربعة،

او بمساواته ما يحدث في سوريا بما تقوم به اسرائيل في فلسطين،  دونما ادنى اعتبار لفهم دعائم السياسة الخارجية لدولة  منهكة في ميزانيتها الموجودة حاليا في البنك المركزي وهي 15 مليار دولار، وتحاول ان تقترض من صندوق النقد الدولي اربعة مليارات اخرى  ليكون لديها سيولة 19 مليار دولار  اي ما يقرب من ثلث ما يملكه رجل الاعمال المكسيكي من اصل لبناني كارلوس سليم الذي تبلغ ثروته وحده 60 مليار دولار او  ما يملكه رجل الاعمال الهندي مواش إمباني الذي بلغت ثروته 22 مليار دولار. هذا على المستوى الاقتصادي . اما على المستوى السياسي، فمصر مقيدة الحركة، فرئيس مصر لم ينجح في إكمال مهمته في سيناء لان اسرائيل طلبت من مصر سحب دباباتها من المنطقة جيم الممتده من الشيخ زويد شمالا حتى شرم الشيخ جنوبا وانسحبت الدبابات المصرية ولم تكمل المهمة. اعرف ان هذا كلام قاس ولكنه الواقع . فالذي يريد ان يلعب دورا إقليميا لابد وان تكون لديه الأدوات للعب هذا الدور سواء أكان الرئيس من الاخوان المسلمين او من الجيش، او من الجن الأزرق كما يقولون. هللت صحيفتان لندنيتان ( هذه الصحيفة ليست إحداهما ) لقنبلة مرسي في طهران، لانه حسبما قالت الصحيفتان ذكر اسماء الخلفاء الراشدين في خطابه وانتقد سوريا في عقر دار ايران.  وقيل بعدها ان هذا رئيس فحل سوف يستعيد دور مصر الاقليمي. لكن كما يقولون منين يا حسرة. الدولة التي ترغب ان يكون لها دور إقليمي قوي لابد وان يكون لها جيش ضارب ومسلح تسليحا حديثا، جيش غير مغلول اليد في الحركة على كل اراضيه، جيش مهاب الجانب من كل جيوش الجوار، ويجب ان يكون لديها اقتصاد قوي وسوق قوي تحرص عليه الدول الجارة وغير الجارة، ولديها تماسك داخلي من حيث مؤسسات الدولة وشرعية النظام وقدرة النظام على ان يعول علي شعبه في ان يقف وراءه اذا ما جد الجد. في مصر بعد الثورة، الاقتصاد على شفا هاوية، والشرعية في أحسن الأحوال لا اتفاق عليها او ما يعرف بال contested legitimacy. والبلد بلا برلمان او دستور . ترى هل يعالج التسليم على الصحابة في ايران هذه القضايا الكبرى ؟المهم ان يعي الذين هللوا لخطاب رئيس مصر في طهران ان يدركوا ان ما قاله الدكتور مرسي من حيث توسيع مجلس الامن مثلا هو ما كان يقوله الرئيس السابق حسني مبارك ووزير خارجيته احمد ابو الغيط بالحرف الواحد في كل المؤتمرات في افريقيا وفي قمه فرنسا وفي كل التصريحات الخارجية المصرية. فما الجديد هنا؟ ان تشمل معاهدة الحظر النووي في الشرق الاوسط اسرائيل ؟ أليس هذا هو خطاب عمرو موسي ومن بعده احمد ماهر ومن بعده احمد ابو الغيط ؟ وكأن من كتب جزئية السياسة الخارجية في خطاب مرسي هو الموظف ذاته في الخارجية المصرية.اما اذا تحدثنا عن جرأة رئيس مصر في نقد سوريه في قلب ايران فهنا نقطتان . الاولى هي ان نقد بانكي مون لاحمدي نجاد وحديثه عن اباده اسرائيل وتقريعه له في قلب طهران وفي ذات القمة كان اقسي مئات المرات من تسليم مرسي على الصحابه الذي لا يعول عليه في العلاقات الدولية وغير مفهوم خارج اطار العالم الاسلامي، كان مقبولا مثلا ان يقول هذا الكلام في قمة اسلامية . ترى هل فهم مثلا بان كي مون المفاتيح الثقافية التي تستدعي ذكر رئيس دولة كمصر اسماء الصحابة؟ قد تكون هناك رمزية في الامر ولكنها لايمكن ان تفهم الا في اطار الترميز الاسلامي، الا اذا كان هدف الرئيس المصري هو تديين السياسة الخارجية المصرية اي جعل الدين ملهما ومحركا للسياسة الخارجية. ولو كان هذا هدف مرسي مما قال، فاربطوا الأحزمة لأننا امام كارثة من العيار الثقيل. فهو هنا لا يختلف مع ايران ولكنه يتخذها مثلا يحذو حذوه، فإيران هي واحدة من دول قليلة دينت سياستها الخارجية او طيفتها اي جعلت الطائفية محركا أساسيا لسياستها في المنطقة. ايران كفيل الشيعة في المنطقة ، فهل يريد مرسي ان يكون زعيم السنة، وماذا يعني ذلك بالنسبة لدول أخرى لديها قدرات افضل كتركيا مثلا وهل ستقبل بان تكون مصر مرسي زعيم السنة، ام ان هذا الخطاب لن يؤدي الى احتكاكات مع الشيعة فقط بل مع الدول السنية الكبرى وبذلك يكون الخطاب خرابا على علاقات مصر مع المعسكرين الشيعي والسني اذا جاز التعبير؟ وكل ما سبق من قول مرسي لايمكن فهمه في ظل تناقضه مع وصفه (اي مرسي) ايران  في ختام كلمته بالشقيقة ايران! وهذا توصيف احتفظ به العرب في خطابهم الرسمي للدول العربية فقط، فهل يساوي مرسي الدول العربية مع ايران في هذا التعبير كما ساوى بين اسرائيل ونظام الحكم في سورية فيما يخص تطلع الشعبين الفلسطيني والسوري للحرية من دولة تقمعهم ؟ ام ان هذا خلط يدل على ذهنية مرتبكة ليس لديها مفهوم حاكم او تصور استراتيجي لعلاقاتها الخارجية؟ لنتفق ولو قليلا مع من يقولون بان مصر سيكون لها دور ولكن بصبغة اسلامية. لو كان هذا صحيحا لانعكس ذلك على طول الخط في زيارة مرسي لطهران والصين. ففي الصين مثلا لم يتحدث الرئيس المصري عن مشكلة المسلمين في الصين فيما يخص اليوجور او الهواي وهي مجموعات مسلمة في الصين تعاني من الاضهاد، ولم يتحدث عن مأساة المسلمين في اسيا في بورما والفلبين وغيرها . إذن موضوع اسلمة السياسة الخارجية هو امر انتقائي يستخدم في خطاب في بلد ولا يستخدم في اخرى. الموضوع الجوهري هو ليس الرئيس المصري، بقدر ماهو انه ورغم الثورات لم تتغير ثقافة التطبيل للفرعون الجديد في عالمنا العربي، اي رئيس إسلامي او غير اسلامي يجب ان يحظى بحفلة طبل وزمر حتى لو ما ما قاله مرسي في طهران لم يبتعد قيد أنملة من موقف الرئيس السابق مبارك من قبله فيما يخص توسيع مجلس الامن وقضايا منع الانتشار بل جاء اكثر ارتباكا.  كما ان مبارك نفسه لم يكن على وفاق مع سوريا وطالب الرئيس الاسد بالتنحي وهو في سجنه في طره. إذن المشكلة بين مصر وسوريا قائمة كما تركها مبارك ولا تحسن في العلاقات المصرية السورية. ثم للذين احتفلوا بموقف مصر تجاه سوريا هناك سؤال بسيط: مالذي تستطيع تقديمه مصر للشعب السوري خارج خطاب الشجب؟ هل لدي مصر اي ادوات للتعجيل برحيل الرئيس السوري او ان لديها ادوات للتفاوض. خطاب مرسي وخروج الوفد السوري من القاعة يجعلان مصر اليوم غير مقبوله كطرف وسيط بين المعارضة والحكم. ويضرب الاقتراح المصري بتشكيل رباعية الاتصال حول سوريا في مقتل.. اي ان موقف مرسي زاد الامر تعقيدا مما كان عليه. اعلام ما بعد الربيع العربي يجب الا يستبدل التطبيل لمبارك بالتطبيل لمرسي. في عهد مبارك كانت تخرج علينا الصحف المصرية بعنوان عريض يقول ان الصحافة العالمية أشادت بكلمة الرئيس ويبحث رجال الرئيس في اصغر صحف الدنيا بالابره ليجدوا كلمة ثناء على مبارك فنجدهم يقتبسون من صحيفة اسبانية في بلاد الباسك او الميامي هيرالد إو اريزونا مورننج نيوز، صحف لم يسمع بها احد حتى بلدانها، فجأة تصبح ممثلة لرأي الصحافة العالمية وهذا بالحرف ما فعلوه مع خطاب مرسي الذي أشادت به الصحافة العالمية . ورغم خطاب مصر والاحتفالية، الا ان المنتصر في كل هذا دبلوماسيا كانت ايران التي استطاعت ان تضفي شرعية دولية على طموحها النووي حيث أقرت الدول المجتمعة بحق ايران في ذلك. ويبقى لهم الموضوع ويبقى لنا الشكل وهذا هو حالنا قبل الربيع وبعد الربيع.  للعرب مشاكل حقيقية مع الجوار غير العربي خصوصا الدول التي تحتل الاراضي العربية مثل اسرائيل وإيران . وهذا يحل بتطوير القدرات لا بالقنابل اللفظية.

التعليقات