مصر الكبرى
مش عصفور : مقال كتبه د. فندي في 2008 ومازال يعبر عن حالنا اليوم
مش عصفور
«عصفور في اليد خير من عشرة علي الشجرة». هكذا يقول المثل، وأقول لو كان العصفور في اليد فهو ليس عصفوراً، هو كائن مسكين سجين محاصر. العصفور كائن من فصيلة الطيور مكانه الشجر وفضاؤه السماء. وإذا ما نزعنا صفة الطيران عن العصفور تنتفي التسمية، فكيف يسمي ما لا يطير بطائر؟ إذن، لابد من إعادة التفكير في أمثالنا المتوارثة التي يتلاعب بعضها علي الحقيقة.
نضرب هذا المثل دائما عندما نفشل في تحقيق أمر استراتيجي ونتمسك بجزئية تكتيكية نري أنها نصر، سواء أكان هذا علي المستوي الفردي أو المستوي الجماعي أو حتي مستوي الدول.
حدثني صديق عن زيارات العالم مصري الأصل أحمد زويل والحائز علي جائزة نوبل، إلي مصر والمنطقة. وسألني إن كان زويل يستطيع القيام بإنجاز علمي مماثل لما قام به في أمريكا، هنا في بلداننا العربية؟.. وكان ردي أن زويل عندما يأتي إلي الدول العربية يصبح «مش عصفور»، لأنه أصبح في اليد، وأن الأساس في البحث العلمي هو الإحساس الكامل بالحرية، أي أن تبحث في كل شيء وعن أي شيء بدون قيود أوحدود ذهنية تفرضها الدولة أو يفرضها المجتمع.
الأساس في الموضوع هو أن يكون الباحث حراً طليقا مثل العصفور «إللي ع الشجرة»، أما إذا أصبح في اليد فهو ليس بعصفور علي الإطلاق. الأساس في كينونة العصفور هو الحرية، والأساس في إبداع زويل وغيره من الباحثين في العالم الحر هو الحرية. لذا ينجز الباحثون في العالم الحر ويخفقون أو يموتون في العوالم المظلمة والمغلقة.
هذا علي الجانب البحثي الأكاديمي، نحن لسنا عصافير علي المستوي السياسي أو الاجتماعي، نحن نكتب ما نظن أن المجتمع سيقبله وأن الدولة ستقبله، لا نكتب لكي نصدم أفكار المجتمع التقليدية الخانقة أحيانا، وليست كل التقاليد أمرا خانقا، ولكن كثيرا منها كذلك. نكتب ويجلس إلي جانبنا رقيب متخيل من الجماعات الإسلامية، أحيانا نتخيل الرقيب السياسي أو الاجتماعي. تري ما هو حكم الشيخ القرضاوي علي ما نكتبه، أو ماذا سيقول الحاكم الفلاني لو قرأ هذا المقال، وماذا سيقول شيخ القبيلة، أو ماذا ستقول عني أسرتي. إذا ما قيد الإنسان بكل هذه القيود، فكيف نتوقع منه الإبداع والتميز أو القدرة علي النهوض بنفسه ومن ثم مجتمعه؟!
مبادراتنا السياسية الكبري، وكذلك قراراتنا، تتخذها عصافير في اليد، مخنوقة وخائفة من الجمهور، لا تقوي علي الطيران، سجينة أقفاص صنعت بعضها بنفسها، والسجن ينزع الحرية. فكيف لنا أن نسمي ما لا يطير طائراً؟.
لا يكفي أن يكرم زويل في القاهرة حتي يستطيع أن يبدع هناك. في بلداننا تصدر قرارات بإنشاء مراكز بحوث علمية، وتمنح جوائز علمية تكرمة للعلم والعلماء. الأساس ليس القرارات أو حتي الجوائز، الأساس هو أن يهيأ المناخ الصحي للإبداع، فالإبداع لا تصنعه المباني ولا الفرمانات الحكومية، ولكن يصنعه الإنسان. عندما يضغط الغرب علينا لأجل حقوق المرأة مثلا، تقرر دولنا ذات المهارة الإعلامية أن تعين امرأة في منصب وزير. وجود امراة في منصب وزير مع وجود كل القوانين المدنية والاجتماعية التي تعامل المرأة كمواطن من الدرجة الثانية، تجعل منها عصفورًا في اليد، العصافير مكانها الشجر وفضاؤها السماء، أما ما هو مسجون في قفص، فلنسمه أي شيء آخر.