مصر الكبرى
بين هلالين: هلال التهديد، وهلال التوريط
بهلال التهديد أقصد الهلال الشيعي، وبهلال التوريط أعني توريط بعض الدول الغنية في إنتاج وتمويل الهلال الإخواني في مواجهة تغول الهلال الشيعي. الهلال الشيعي كما تصوره ملك الأردن الملك عبد الله الثاني منذ ست سنوات هو تعبير عن خوف حقيقي لدى بعض الدول ذات المرجعية السنية خاصة دول الخليج العربي من التهديد الإيراني
(real threat perception)، حيث ارتأت هذه الدول أن الجموع الشيعية من لبنان مرورا بالعراق والبحرين هي أدوات بشرية في يد الدولة الإيرانية تحركها حسب مصالحها، وهي تجمعات بشرية تمثل خطرا محتملا لا بد من التحسب له. ودارت الحوارات المطولة حول طبيعة الخطر وطرق التعامل معه في اللحظة الآنية أو على المدى المتوسط، ولأن الهلال الشيعي لاقى رواجا وتمكن الخوف من الجميع فقد استغلت الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين خوف الدول من الخطر الإيراني لتقنع البعض منها بأن تمويل الهلال الإخواني هو الحل الأمثل لإنتاج توازن شيعي سني في المنطقة.
وكما صدقت بعض الدول صدام حسين في حربه مع إيران في أنه المدافع عن البوابة الشرقية للعرب ضد الفرس ثم استدار صدام ليبتلع الكويت، فإن الهلال الإخواني لن يضرب للأمام، بل سيكون مثل قصة الأسلحة الفاسدة في عهد الملك المصري الراحل فاروق، حيث كانت الأسلحة تضرب للخلف وتصيب أهلها، وكما مول البعض وشارك ودرب المجاهدين في أفغانستان وعادت «القاعدة» لتضرب في الداخل هكذا سيكون الهلال الإخواني الذي لم يكتمل بعد سلاحا ضد مموليه وداعميه، بينما الهلال الشيعي تراه بعض الدول تهديدا حقيقيا، ولهذه الدول منطق في فهم التهديدات ومصادرها.
الهلال الإخواني ليس وسيلة من وسائل الدفاع بقدر ما هو محاولة لإنتاج هلال كاذب لخدمة مصالح صغيرة، يروج له البعض من منطلقات مصالح ضيقة، فليس هناك هلال إخواني. هناك شراكة بين «الإخوان» والقوى العلمانية في تونس ولم يحسم الصراع بعد لمصلحة «الإخوان»، وفي مصر سيطر «الإخوان» على أجزاء لا بأس بها من الدولة أهمها الرئاسة، وهناك «إخوان» وعسكر يسيطرون على الدولة في السودان الصغير بعد أن خسر «الإخوان» نصف السودان لمصلحة غير المسلمين في الجنوب. إذن نحن نتحدث عن مثلث صغير (تونس ومصر والسودان)، أما الذين يريدونه هلالا إخوانيا فيريدون سيطرة لـ«الإخوان» في الأردن وسوريا وفلسطين حتى يكتمل الهلال الإخواني. ولن أتحدث هنا عن ميكانيزمات إنتاج هلال التوريط الكاذب لأنه نتاج «إخوان مصر» بشكل كبير، ويروج له أصحاب المصالح الصغيرة من أجل أن يكون لكل منهم دكان صغير، ولن أبتذل هذا الحديث الجاد بأن أقول إن من يروج للهلال الإخواني أحيانا صحافي عاطل يريد أن يصبح صاحب محطة تلفزيونية أو صحيفة، ويذهب للدول القابلة للتوسط ليعرض مشروعه ويعظم من ضرورة بناء الهلال الإخواني في مواجهة الهلال الشيعي، رغم أن في بناء هذا الهلال تقويضا لشرعية الدولة التي يحتمل أن تمول الدكاكين الإعلامية الجديدة.
وتوريط بعض الدول، خصوصا الخليجية منها، للصرف على مشروع «الإخوان» تحت مسمى الهلال الإخواني في مواجهة الهلال الشيعي، هو عملية نصب واحتيال في وضح النهار، يحاول البعض من خلالها استغلال حالة الخوف من التهديد الإيراني لتوريط الخائفين. مثال ذلك كالمتخصص من الرجال في استغلال حالة الارتباك العاطفي عند امرأة خرجت للتو من تجربة عاطفية مؤلمة ليصبح هو بعد عرض المساعدة العشيق والمنقذ. وتلك حيل يعرفها كل من خبر الحياة ولو بقليل من العقل.
ليس هذا هو المهم، فالأساس هنا هو أن فكرة الهلال الإخواني الذي يريد البعض توريط دول الخليج في تمويله هو فيل أبيض أو وهم، فهناك تناقض جوهري بين أهداف حركات تصل إلى الحكم في بقعة من الأرض وتريد أن توسع من نطاقها بأموال الآخرين، وبين دول تريد تثبيت دعائمها وشرعيتها. لا هلال هناك، بل هناك تجارب دول فاشلة أو في طريقها للفشل، حكمها «الإخوان» مثل السودان الذي فقد نصفه في ظل حكم «الإخوان» أو مصر التي لم يتمكن «الإخوان» حتى الآن من السيطرة عليها، وأصبحت نموذجا غير مبشر. فمصر لمن يريد أن يعرف أمامها من عشر إلى خمس عشرة سنة كي تصبح لاعبا من جديد، ومن لديه شك فلينظر إلى العراق الذي مر على التغيير فيه أكثر من ثماني سنوات وما زال يترنح رغم ما فيه من موارد مالية كبيرة. أريد ممن يتحدثون عن الهلال الإخواني أن يأخذ أحدهم ورقة وقلما ويرسم لنا هذا الهلال ذا التأثير على المشهد الجيوستراتيجي في العالم العربي أو الشرق الأوسط برمته. لا هلال هناك.. مجرد عملية توريط للدول الغنية لتمويل تمكين «الإخوان» من السيطرة على بلاد لا يستطيعون وحدهم وبقدراتهم الذاتية السيطرة عليها.
إذا كان الهدف من الهلال الإخواني هو مواجهة الهلال الشيعي، أو أنه أداة من أجل توازن القوى في المنطقة، فإننا هنا نقول إن مشكلة توازن القوى في الإقليم قديمة قدم نشأة الدول في المنطقة، أما تلوين التوازن الموضوع بلون آيديولوجي معين فلن يضيف للأمر شيئا. فالتوازن بين إيران الشاه والخليج، وحدة المشاحنات، كانا مثلما نراهما في عهد أحمدي نجاد الإسلامي، وصدام حسين دخل لعبة التوازن الإقليمي في حربه مع إيران بآيديولوجيا «البعث» والعروبة. وأيا كانت الأسباب، فموضوع توازن القوى هو سؤال استراتيجي أمني يحتاج إلى تصور جديد لاستراتيجية الأمن الإقليمي بعيدا عن هوس الأهلة والأقواس. الهلال الإخواني اليوم هو فزاعة أيضا يروج لها نظام الأسد، بمعنى أن سقوط نظامه هو بداية تشكيل هذا الهلال، فهل يدرك من يروجون للهلال الإخواني أنهم ومن كانوا بالأمس جزءا من الهلال الشيعي، في خندق واحد؟!
الأسبوع الفائت انعقدت قمة التضامن الإسلامي في مكة بقيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكانت قمة بين هلالين أراد لها الملك أن تخرج من عالم الأهلة إلى عالم الواقعية السياسية ونقل الحوار الحضاري الذي يمثل الغطاء الثقافي للهلالين إلى حوار بين المذاهب الإسلامية، وربما ثقافة الحوار التي يتبناها الملك عبد الله هي الأجدى لحل أزمة الهلالين، بدلا من حالة الشحن التي تريد أن تنتج لنا هلالا إخوانيا وهميا لمواجهة هلال شيعي حقيقي. ويبدو أن السعودية لا تريد أن تتورط في إنتاج الهلال الإخواني الذي هو، تاريخيا، ضد مصالح الدولة بمعناها الضيق. ومع ذلك ما زال البعض يلح على دول الخليج لتمويل الهلال الوهمي. نعم الهلال الشيعي تهديد، لكن الهلال الإخواني توريط وإذكاء للفتنة ومزيد من صب الزيت على النار.
قصة الأهلة هذه تصب في تفكيك الدول القُطرية في الشرق الأوسط، فأساس الهلال الشيعي هو دعم الحركات على حساب الدول كما هو واضح في حالة حزب الله، أما «الإخوان» ورغم وصولهم إلى السلطة فلم تتعاف حركتهم من مراهقة الحركة لكي تنتقل إلى حالة رشد الدولة. منطق الحركات السياسية الطوباوية أو التي تتخذ من الدين ستارا لا ينتج دولة، وإن أنتج فهي دولة غير مستقرة وتسهم في عدم الاستقرار.
المشكلة لدينا في العالم العربي، نتيجة لغياب مراكز أبحاث جادة تدرس فيها الأفكار، أننا بكل أسف نجد صانع السياسة يستقي عظيم أفكاره من الصحف السيارة، حيث يخرج المقال من رأس صاحبه على الورق من دون جدل أو نقاش جاد. الأفكار الاستراتيجية الكبرى تنتجها مراكز الأبحاث، وقد يلخص الباحث نتيجة هذه الأبحاث في صحيفة بهدف تسهيل الاطلاع عليها للعامة، لكن مقال الصحيفة لا ينتج رؤية، هو مجرد رأي له محدوديته، إلا إذا جاء هذا الرأي من خبير ممارس في مجاله. موضوع الأهلة هذا يحتاج إلى دراسة حقيقية لديموغرافيا المنطقة ونوعية السكان وأعمارهم وأنشطتهم وارتباطاتهم الطائفية والأيديولوجية. لا شك أن هناك ملامح صراع سني شيعي يتشكل، لكن من تقوم به هي دول وليس حركات، ولكن حتى هذا الصراع المزعوم هو جزء من مسألة استراتيجية أكبر وهي تطييف السياسة الإقليمية، أي جعلها سياسات تحركها التجمعات الأهلية ولكن ليس أكثر مما تحركها الدول، ولكن الطوائف والتجمعات الدينية لا شك أنها ستصبح لاعبا في المعادلة.
المهم من هذا السرد هو أنه يجب ألا يقع عاقل في فخ تمويل الهلال الإخواني لأن هناك هلالا شيعيا ينظر إليه على أنه مصدر خطر لتمويل الهلال الإخواني الوهمي كخط دفاع، وجعله حقيقة يضاعف من الخطر ومن نشر حال الفوضى في المنطقة، وكل هذا الكلام بالطبع بين هلالين.
وكل عام والجميع بألف خير