الدكتور مأمون فندي يواجه المثقفين المصريين

الهدف من المفاهيم هو قدرتها التحليلية للظواهر الاجتماعية بما فيها السياسية طبعا، وقد كتب العالم الايطالي الشهير جيوفانو سارتوري مقالا مرجعيا فيما اسماه بالسلم المفهومي conceptual ladder بين فيه ان قيمة المفهوم وقوته هما في قدرته على التفسير والتحليل . ترى ما الجديد الذي يقدمه مفهوم الدولة العميقة التركي للحالة المصرية والذي لم نكن نعرفه من قبل؟ مفهوم الدولة العميقة في الحالة التركية يقول بان اجهزة الامن والمخابرات  والجيش وبعض القوى الرجعية في المجتمع التركي هي التي تقف حائلا بين تركيا وبين الديموقراطية الكاملة ، اي ان القوى المعادية للديموقراطية متجذرة في الدولة والمجتمع في تركيا.
 
هل هذا يشبه امن الدولة والجيش وبقايا الحزب الوطني عندنا، ربما، ولكن ماذا عن التيار الذي ورث الثورة ويدعي الثورية وهو التيار السلفي وتيار الاخوان المسلمين، وهما القوه الرجعية الاولى في المجتمع المناهضة لحقوق المراة وحقوق الأقليات وضد حرية الاعتقاد والتعبير وهو أيضاً تيار المادة الثانية من الدستور ؟ التحالف ضد القيم الديموقراطية في مصر هو تحالف اكبر من قوى الامن والجيش وفلول الوطني المنحل ، التحالف المضاد لفكرة الديموقراطية وقسم الحرية هو تحالف التيار الديني الذي يركب الثورة الان، ومن هنا يكون مصطلح الدولة العميقة التركي غير مناسب لتفسير تراجع الديموقراطية في مصر ونحتاج الى مفهوم اشمل وأعمق . الدولة في مصر "مش عميقة" كما يظن العض فهي دولة مترهلة وضعيفة. ورغم وجود الملايين من العاملين في بيروقراطية الدولة الا ان مسالة توافق المصالح ووجود لوبي يدافع عن مصالح هذه البيروقراطية منعدم. الدولة في مصر حسب تعريف جول مجدال في كتابه المهم strong societies and Weak states هي دولة ضعيفة في مجتمع قوى. مشكلة مصر ليست الدولة العميقة بل الدولة الضعيفة حسب الدراسات المحترمة، فهل يفسح أدعياء المعرفة المجال لمن يعرفون للحديث عن الدولة والمجتمع في مصر، لو حدث هذا يمكن بالفعل ان نتحدث عن ثورة في العقل المصري ولكننا للأسف سنبقى ولفترات طويلة ضحية الصوت العالي والمفاهيم المستوردة لأننا لا ننتج المعرفة، فقط نستوردها ونستورد البالي منها لأننا لا نريد ان ندفع ثمن الاصلي . كما في ملابس فريقنا القومي نحن نفضل المضروب على الاصلي.