مصر الكبرى
“ميريل ستريب” وأسلوب الآداء السلس الممتنع .. فيلم “المرأة الحديدية” شريط سينمائي يقف بصراحة مع المساواة
المرأة خرجت إلى الحرية وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء
كتبت – مروة فهمي :
توجهت إلى دار العرض السينمائي لمشاهدة فيلم < المرأة الحديدية > الذي يتناول حياة رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق مارجريت تاتشر والتي شكل حضورها السياسي مرحلة مختلفة تماماً قادتها بحسم وقوة .
وتميز آداء البارونة تاتشر بالصرامة الشديدة مما جعلها تحمل اللقب المثير المرتبط بشخصيتها ونفوذها وتأثيرها ، ليس على بريطانيا فقط وإنما على المحيط الأوروبي والدولي .
خلال مشاهدتي للعرض كنت أفكر في التقسيم الظالم ، الذي حاول وضع المرأة في خانة الضعف وإنها غير مؤهلة للحكم ولا توجد لها أهلية أو صلاحية لتولي مناصب رفيعة . وأصحاب هذا الرأي ينكرون على المرأة حق الحياة فهي في نظرهم مخلوقة ناقصة عقل ودين .
هذا الرأي تضحده سيرة مارجريت تاتشر ، حيث ناضلت بصلابة وحسم وبإرادة حديدية وقادت بلادها إلى استقرار ونصر عسكري حاسم على جيش الأرجنتين .
سيرة تاتشر تؤكد بأن التقسيم الظالم لا يستند على أدلة نهائياً وإنما جاء من عصور التخلف والظلام ، حيث تم استغلال المرأة وعدم الاعتراف بها غير أن العصر الحديث منحها حقوقها ضمن حركة التحرر التي أيضاً أطلقت قيود الرجل .
وقد استطاعت المرأة الحديدية قيادة بلادها وناصرها حزبها ووقفت خلفها حياة ديمقراطية فتحت مبكراً آفاق تمثيل النساء في البرلمان والحكومة البريطانية ذاتها . وعموماً العرش البريطاني نفسه تجلس عليه إمرأة هي الملكة إليزابيث الثانية .
وقد تحرر النساء من سجن طويل دخلوا فيه نتيجة الظلم الإجتماعي وعصور العبودية ونظريات خاطئة ، تقول بأن المرأة ضعيفة وعقلها لا يساعدها على التفكير السليم واتخاذ القرار ، وهي غير مؤهلة للوظائف العليا بشكل خاص ، وإن عليها ترك هذه الأمور للرجال .
خلال عرض الفيلم كنت أرى ميريل ستريب التي جسدت شخصية تاتشر تقود المعارك الضارية في البرلمان وتدخل في تصادم مع نقابات وحركات احتجاجية وتقاوم بطريقة شرسة نفوذ الاتحاد الأوروبي وتفرض شخصية قوية تعبر عن المصلحة البريطانية .
حسب تأريخ الفيلم فإن سنوات حكم تاتشر هي الأكثر بريقاً وازدهاراً في بريطانيا خلال العصر الحديث . وقادت إمرأة هذه القفزة من الركود والمصاعب إلى مرحلة أخرى ارتفعت فيها مستويات البريطانيين بشكل عام .
كانت تتحرك في مرحلة مهمة وبدرجة عالية من الذكاء والرقي ، لذلك اعترفت الحياة بمواهبها واعتبروا صعودها لرئاسة الوزراء أمر طبيعي ، فلا فرق بين رجل وإمرأة إلا بدرجات الذكاء والثقافة والقدرة والتصميم .
وهناك أبحاث كثيرة تؤكد بأن العقل الإنساني واحد عند المرأة والرجل وكل التصنيفات القديمة المتخلفة انتهت إلى زوال .
المجتمعات الأوروبية وبعض المناطق الأخرى في آسيا وإفريقيا حسمت هذا الموضوع .
وكانت مصر في بداية القرن الماضي حسمته أيضاً عندما شجعت على تعليم البنات وخروجهن إلى العمل ووصول بعضهن إلى منصب وزيرة في الحكومة .
لكن هناك من يحاول الآن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، بالحديث عن ضعف المرأة وإن مكانها البيت وليس من حقها الخروج أو شغل المناصب الرفيعة . ويقول السلفيون أن من روج للمساواة هم أتباع الغرب ويشنون حملة قاسية ومرعبة على قاسم أمين الذي نادى مبكراً بتحرير المرأة . ويروج هذا التيار بصفاقة شديدة لقيم غريبة عن العصر ويحاولون دفعنا إلى الوراء عشرات القرون . ويبثون في قلوبنا الخوف بالحديث بأن تعليم المرأة وعملها يتعارض مع الدين والعقيدة وهذا كذب وافتراء .
هذه التفسيرات الخاطئة لا معنى لها في مجتمعات تتقدم بالقانون والحرية ، لأن مسيرة الحياة المصرية أكدت على المساواة فلا فضل لرجل على إمرأة ولا تمييز بينهما على الإطلاق .
والمثير أن عدة دول آسيوية ومنها إسلامية مهدت الطريق لوصول المرأة إلى منصب رئيس الوزراء ، فقد حدث هذا التطور في الهند عندما تولت أنديرا غاندي هذا المنصب . وصعدت إليه في باكستان بنازير بوتو .
مشاهدة فيلم < المرأة الحديدية > بطولة ميريل ستريب يفتح أوراق سيدة بريطانية جريئة وصلت إلى أعلى منصب رفيع في البلاد بخبرتها السياسية وبقدراتها وإرادة اتخاذ القرار خلال المراحل الصعبة والمتوترة .
لقد قادت المرأة الحديدية بريطانيا خارج الكساد الاقتصادي ودخلت في معركة عسكرية مع الأرجنتين وطرحت رؤيتها للاتحاد الأوروبي المعارضة للهيمنة وإلغاء شخصية كل دولة داخل هذا التجمع .
لم يصنف البريطانيون تاتشر باعتبارها إمراة لا حق لها في الخروج للحياة والتنافس في الميدان السياسي ، فقد تجاوزت هذه الشعوب هذا الحادث السخيف في ظل تعليم نشر فرص عمل متكافئة أمام الجنسين لا فرق بينهما في التعليم أو العمل إلا بالكفاءة والقدرة والثقافة .
الفيلم السينمائي ركز على معارك المراة الحديدية مع خصوم أقوياء نجحوا في النهاية بعزلها عندما تضخمت سياساتها المثيرة للجدية حول أوروبا .
وقد خرجت تاتشر من الحياة السياسية ومنحتها الملكة إليزابيث الثانية لقب < بارونة > ويتعامل معها الجميع في سنوات شيخوختها باحترام وتقدير  وهي التي نقلت بلادها من ركود إلى إزدهار .
كنت أتابع الفيلم الشديد الإتقان بفخر شديدة لأن إمرأة من جنسنا ومن زمان هذا العصر تربعت على عرش السلطة وأدارت بلادها بكفاءة حققت لها تلك المكانة .
وعندما عدت من مشاهدة الفيلم في قاعة لندنية ، فتحت جهاز التليفزيون على أخبار مصر ، وشاهدت لقطات من داخل البرلمان مثيرة للتأمل والضحك وتحريك حالة الإشفاق على هذا المجتمع الذي نادى منذ قرن قاسم أمين بتحرير المرأة لكنني وجدتها مكبلة وخائفة وضعيفة  ومرتبكة ومكسوفة أيضاً مع إنها تجلس على مقعد في البرلمان .
منظر برلمانيات حزب الحرية والعدالة يجعلنا نحن النساء فحالة من الخجل والكسوف أيضاً والإشمئزاز. فهن يجلسن بطريقة لا تعبر عن مكانة أعضاء في البرلمان والغريب إنهن يرفضن التعامل مع أعضاء البرلمان بأسمائهن لذلك إذا أردت مخاطبة البرلمانية المصرية فعليك أن تناديها بإسم إبنها لإنه طبقاً لأفكارهن إسم المرأة عورة ولا يستحق أن ينطق به الغريب .
والسؤال لماذا دخلن البرلمان ؟ وما هو دورهن في ساحة تقاليدها الصوت المرتفع والعراك من أجل قضايا الشعب والدفاع عنها ؟
إن وجود سيدات من هذا الصنف في البرلمان المصري علامة إننا عدنا إلى القرون الوسطى وعصور الحريم الذين يجلسن في الحرملك ولا ينطقن ولا أحد يرى وجوهن على الإطلاق .
لقد صور الفيلم الأمريكي تاتشر وهي تزأر في البرلمان وتتحدث بصوت مرتفع صاخب وتدق بعنف على المنصة وهي غاضبة تواجه خصومها وتفتح النار على المعارضة وأنصار الاتحاد الأوروبي .
أما البرلمانيات المصريات فيجلسن في حالة خوف وهلع ويتهربن من كاميرات التليفزيون لأنهم يعتقدون بأنه وجه المرأة وصوتها عورة كما يتردد في دفاتر فقه التخلف .
والغريب أيضاً أن نائبات في البرلمان المصري ضد الحركة النسائية وضد خروج المرأة للعمل ويتحدثن عن مشروعات لقوانين بإعادتها إلى المنزل وهي مكبلة وتسليمها لأهلها ، لأن خروجها للتعليم والحياة العامة بدعة غير مقبولة .
لو كان الأمر بيدي لدعوت النائبات الفاضلات في البرلمان المصري لمشاهدة فيلم < المرأة الحديدية > لكن صديقة لي نبهتني بأنهن لا يشاهدن  أفلام السينما ولا يقربن من دور العرض ،  لأن كل هذا من أفعال الشيطان الرجيم الذي يجب اجتنابه .
وعندما تأملت موقف نائبات حزب الحرية والعدالة شعرت بأسف وغثيان ، لأن العالم حولنا يتقدم بقواعد المساواة ويمنح المرأة والرجل معاً حقوق التعليم والعمل والوصول إلى أعلى المناصب بما في ذلك موقع رئيس الوزراء وكرسي رئاسة الجمهورية .
إن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية إمرأة تحقق النجاح في هذا الموقع . وشغل المنصب في إدارة زوجها بيل كلينتون وفي عهد جورج بوش نساء أيضاً . ولم يجرؤ إنسان الحياة عن أن المرأة مكانها الطبيعي المنزل الأمريكي وليس مقر وازارة الخارجية .
الممثلة التي تؤدي دور تاتشر عظيمة المواهب حقاً وتستحق جائزة الأوسكار التي ناتلها على آداء هذا الدور الصعب . وقد مثلت ستريب كما تفعل دائماً بعفوية وتلقائية لكنها كانت تجسد شخصية قيادية صارمة فاستخدمت كل مواهبها للتعبير عن تاتشر الحديدية بأسلوب ناعم خلاب .
والتاريخ المصري يحفل بنساء رائعات في مجالات التعليم والفن والأدب وكفاحهن في عالم الصحافة مثل أمينة السعيد والمحاماة في صورة مفيدة عب الرحمن ، والأدب والبحث النقدي على يد الدكتور بنت الشاطئ وعشرات بل المئات من نساء أهمن في صنع الحياة المدنية بعمل وفكر . وهل يمكن نسيان عائشة التيمورية والرائدة هدى شعراوي وأخريات تستحق كل قصة لهن في الوصول إلى شاشة السينما حتى تعرف الأجيال الجديدة  دور المرأة المصرية التي تحاول تيارات وقوى سلفية دفنها وإثارة الغبار حولها .
إن الحضارة الحديثة حققت المساواة وأدى هذا إلى الإزدهار . وهناك في مصر من يحاول شد مسيرة المجتمع إلى الوراء والعودة إلى ما كان سائداً في عصور التخلف المعادية ليس للمرأة فقط وإنما للإنسان أيضاً .