مصر الكبرى
التعامل مع الإخوان.. بعد الرئاسة
أقل ما يمكن فعله هو إزجاء التهنئة للرئيس المصري الجديد، محمد مرسي، لقد حققها كأي مرشح نافس وعارك باحترام وكسب أغلبية الأصوات. لا يستطيع أحد أن يشكك في حقه الرئاسي، وهو الرئيس الأول المنتخب في تاريخ جمهورية مصر. كل الذين سبقوه، محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، أخذوها عنوة أو تم تعيينهم. وبالتالي نحن أمام تحول تاريخي لا بد أن نعترف بحقيقته، وقبل ذلك أن نقدر قيمته.
وليس غريبا أن يوجد قلق من صعود حركة الإخوان لحكم الدولة العربية الأكبر، حتى لو لم يقل بصراحة، لكن علينا ألا ندع القلق يتغلب على التعامل مع الواقع الجديد بواقعية، ومن يدري، فقد يكون صعود الإخوان، برلمانيا ورئاسيا، أمرا إيجابيا لأسباب عدة. ولا أستطيع أن أدعي أن بضعة حوارات ولقاءات أجريتها مع عدد من إسلاميي مصر في الأشهر القليلة الماضية في القاهرة وخارجها يمكن أن تمثل فهما كاملا، وتعرفني بطبيعة النظام المصري الجديد، إنما لي أن أقول إن الإخوان وبقية الإسلاميين، مثل عبد المنعم أبو الفتوح وبعض السلفيين، يتحدثون لغة سياسية جديدة تعكس إدراكهم أنهم يعيشون فصلا تاريخيا جديدا عليهم التعامل معه بواقعية والاستفادة من اللحظة التاريخية بما يؤمن لمصر نظاما مستقرا يستطيعون العيش والعمل تحت سقفه مع بقية القوى السياسية المنافسة.. هل هي مجرد لغة أو تحول فكري؟ لا أدري، فالوقت كفيل أن يدلنا على الإجابة.
للمتشائمين، أو القلقين، أعتقد عليهم أن يعطوا الرئيس الجديد فرصته، وما قاله في كلمة الانتصار عن احترام الاتفاقات والسلام حديث له وزن كبير لم يكن مضطرا لقوله بعد أن كسب الانتخابات. الرئيس الراحل السادات وقع اتفاق السلام، وتعهد مبارك بتفعيله، لكن لم يستطع الاثنان إلا فعل الحد الأدنى بسبب ضعف شرعيتهما الشعبية. الإخوان، إن أرادوا، هم أقدر على تفعيل السلام، والتفاوض مع الإسرائيليين بقوة وثقة، وسيقبل منهم العرب عموما – لا المصريون فقط – أي سلام يتعهدون بتحقيقه. يمكنهم محاربة التطرف الديني، ويمكن للإخوان تعميم ثقافة الحريات والتسامح التي كانت توصم بـ«التغريب». ويمكن للإخوان تحقيق مشروع نهضوي ينقذ مصر من انحدارها المستمر اقتصاديا واجتماعيا.. هذه مهام كبيرة وصعبة تستحق أن يشجع الإخوان على تجريبها.
وحتى لو لم يفعل الإخوان في سنوات حكمهم التي بدأت أيا من هذه التمنيات، فيكفي أن يعززوا نظام الحكم الجديد، باحترام قواعد اللعبة الديمقراطية. وأعتقد أن على الجميع، وتحديدا المتشككون فيهم، تعزيز العلاقة مع مصر الإخوان من خلال الاقتراب منهم وتشجيعهم على الانخراط معهم سياسيا وإنسانيا. إن احتضان الإخوان سياسيا سيعطي الرسالة الصحيحة بأنه لا يرغب أحد في أن يملي على مصر والمصريين أي موقف، لكن لمصر موقع خاص في العالم العربي الذي يتطلب منهم المحافظة عليه، والتصرف كشقيقة كبرى. أمام المنطقة تحديات ضخمة لا تستطيع مصر وحدها، ولا بقية العرب من دون مصر، مواجهتها. وبالتالي العلاقة مع مصر دائما كانت محورية في كل القضايا، عندما كانت ملكية وعندما صارت ثورة عسكرية، والآن جمهورية برئاسة إخوانية.