كتاب 11

04:51 مساءً EET

حصريا لـ «مصر ١١» الدكتور مأمون فندي يكتب: نعم للطائفية؟

نكرر كالببغاوات احيانا شعارات ظاهرها حديث وباطنها كل التخلف وعدم فهم لما تقول وهنا اضرب مثالا بشعار “لا للطائفية”، والذي ظهر في لبنان بقوة إبان الحرب الأهلية اللبنانية (1990 -1975)” لا للطائفية،” حقاً عندما تكون الطائفة اقوى من الدولة أو عندما تفشل الدولة كوعاء أوسع  في احتواء الطوائف و ادارة التنوع ولو بالقوة الغشيمة، ولكن في ظل الدولة القوية تكون الحقيقة الاجتماعية هي “نعم للطائفية” في ظل دولة قادرة على حماية الطوائف وإدارة الاختلاف وليس انهاء حالة التنوع بالبطش من اجل خلق كتلة صماء اسمها الوطن. قوة الدولة تكمن في قدرتها على ادارة التنوع وحماية الطوائف وخصوصا الصعيف منها. نعم للطائفية كتنوع، وهنا لا اعني الطائفية بالمعنى الديني والمذهبي فقط ولكن الطوائف في إطار (.the guilds) من طائفة الحدادين والنجارين والسقائين والمعلمين، اي الطوائف بالمعنى النقابي أيضاً. الطائفة هي ولاء أدنى من الدولة كما القبيلة، ولا ما نع من ولاءات ادني فيما يعرف في علم الأنثروبولوجيا بسلم الولاءات، شريطة ان تكون المواطنة هي اعلى درجات السلم ولا تتجاوزها الى ولاءات اعلى كالخلافة مثلا واي ولاء فوق الدولة.
الدولة الضعيفة مثل حالة لبنان والتي تكون فيها الطائفة اقوى من الدولة تنتج شعارات مثل “لا للطائفية ” وفي هذا استجداء للطائفة كي لا تتغول على الدولة، اما في دول مثل اميركا وفرنسا وبريطانيا وسويسرا حيث يكون التنوع هو مصدر قوة الدولة يكون الشعار ” نعم للتنوع ونعم للطائفية” والهويات الأدنى وذلك لان الدولة ملزمة بإدارة هذا التنوع وتحويله من نار تأكل الدولة الى وقود يدفع بمحركات الدولة الى الامام.
عندما كنت في بداياتي لدراسة علم السياسة كان السؤال دوما في معظم المحاضرات الأولية يخص تعريف الدولة القوية مقابل الدولة الضعيفة. وكنا كطلاب قادمين من الشرق الاوسط نرى قوة الدولة في ممارستها العنيفة واستخدامها لإدارات العنف من اجل الوصول الى حالة خضوع نسمها ” بالاستقرار” او السلم الاجتماعي، وكان دايما ما يرد الاستاذ او الاستاذة بأن هذا تعريف ينطبق على الدولة الضعيفة لا الدولة القوية، وسماها أستاذ اخر بالدولة الشرسة لا الدولة القوية.
الدولة القوية في علم السياسة هي التي يرى فيها المحكوم ان نظام الحكم مقبول لديه او نبت طبيعي لمجتمعه ونتيجة لطبيعة العقد الاجتماعي او صيغة القبول والرضا بين الحاكم والمحكوم وفي الدولة القوية لا يلجأ اي من الطرفين ( الدولة او المجتمع) لاستخدام العنف للوصول الى صيغة القبول هذه بين الحاكم والمحكوم، وبهذا تكون دولنا اما ضعيفة او دولا شرسة حسب التعريف السابق.
نشأة الدولة في النظرية السياسية على الأقل عند توماس هوبز جاءت نتيجة لحالة فوضى الغابة وحرب الجميع ضد الجميع فكتب هوبز كتابه لفاييثان او التنين والذي يؤكد فيه على ما اسماه الالماني ماكس فيبر فيما بعد ” ان الدولة هي المؤسسة الوحيدة المخولة باستخدام العنف على أراضيها ” بحكم القانون. اي تملك الدولة لأدوات العنف المشروعة وقدرتها على بسط نفوذها هو ما يفرق بين دولة غير دولة.
لكن الدولة انواع من حيث الأيدولوجيا وطبيعة نظام الحكم  ومن حيث القوة والضعف. الدولة القوية هي التي يخولها مواطنوها باستخدام العنف المشروع لفرض حالة السلم الاهلي وهي نادرا ما تلجأ لهذا العنف، اما الدولة الضعيفة فهي التي تستبدل العنف عن العقد الاجتماعي وصيغة القبول بين الحاكم والمحكوم.
شعارنا يجب ان يكون نعم لدولة قوية قادرة على ادارة التنوع بين الطوائف دونما لجوء لاستخدام العنف.
هناك فلاسفة أوربيين اليوم ينادون الدولة لاستخدام العنف ليس ضد الارهاب ولكن ضد كل من يقف ضد ادارة التنوع والاختلاف في مجتمعات ليبرالية يكون الاختلاف والتنوع هو أساس بناء الدولة. في هذه الدول الشعار هو “نعم للطائفية” والتعددية تحت مظلة القانون في دولة قوية قادرة على ادارة التنوع.
لا للطائفية عندنا هي شفرة او كود تعني ” لا للتنوع ولا للاختلاف” من اجل بناء مجتمع الكتلة الصماء الرافضة لأي تنوع حيث ترى في التنوع خيانة لفكرة الوطن الفريد من نوعه والمواطن الفريد من نوعه والثقافة المتنوعة.
في مجتمع الكتلة الصماء حيث يختفي المواطن ومعه القبيلة والطائفة ومعهم التنوع يمكن القول لا للطائفية لانها هي التي تخلخل جدار الصمت لو قبلنا بها.
نعم للطائفية في ظل دولة قوية قادرة على ادارة التنوع دونما بطش. نعم للطائفية كتنوع ثقافي وحضاري.
نكرر عبارات لا للطائفية في دول ضعيفة احيانا وشرسة في احيان اخرى.
الموضوع جد عميق ويصلح لكي يكون بحثا اكاديميا لا مقال، ولكنني اتخذ من شعار ” لا للطائفية ” الذي نكرره كما ببغاوات كل يوم كمثال للعقل المعطل غير النقدي والعقل الذي يعتمد على النقل لا على العقل كما قال الأقدمون . منطقتنا تمر بكبرى عمليات الدعاية لغسيل المخ وتفريغ العبارات من معانيها او ربطها بتاريخ  يمنطقها.
نعم للطائفية وليس لا للطائفية شريطة وجود دولة قادرة على ادارة التنوع اما الدولة التي تفشل في إدارة التنوع فهي اما دولة فاشلة او في طريقها آلى الفشل او لا تستحق ان تسمى دولة من الأساس .

التعليقات