أفضل المقالات في الصحف العربية
الحكم وذهنية الضحية
لا شك أننا امام فضاء شيعي يتمدد من ايران مرورا بالعراق وسوريا الي جنوب لبنان وما بعده، ورغم ان الشيعة لهم الكلمة العليا في تلك المساحات الا ان الحكم الشيعي قلق وسؤالي هنا هل يمكن للشيعة ان يحكموا من دون إحساس مستمر بفكرتهم الجوهرية أنهم ضحية دائمة مما يجعلهم متوترين بين الشهوة الجامحة لموقع المعارضة والرغبة في الحكم؟ طرح هذا النوع من الأسئلة يجلب على الفرد اتهامات بالطائفية ولكن ما هو أخطر من الاتهامات هو أننا أحيانا نغلق بابا كثيرا من الأسئلة في الاجتماعي والسياسي والثقافي خيفة ان نتعرض لاتهام يطالنا. النقطة التي أريد ان أثيرها هنا هي ان فكرة الضحية وفكرة الحاكم لا تلتقيان، وان التقيتا تصنعان اكثر أنواع الحكم ارتباكا. بمعنى انك تجد الشخص ذاته يسيطر على مقاليد الحكم في بلد ما مثل ايران أو سوريا مثلا ومع ذلك تستهويه دائماً شهوة المعارضة، ومن يحلل خطاب بشار الأسد في كل فترة حكمه مثلا لا تفوته ملاحظة انه هو الحاكم وهو المنتج لخطاب المعارضة، داخليا بمقاومة الفساد وخارجيا بمحور الممانعة. رغم ان التعريف الشيعي لا يشمل الطائفة الا إذا وسعنا التعريف كثيرا ليلتقي العلويون والشيعة عند نقطة الظلم التاريخي الذي حدث في السقيفة من وجهة نظرهم، حيث ان النبي صلى الله عليه وسلم استخلف الإمام علي رضي الله عنه قبلها عند غدير خم بين مكة والمدينة يوم قال " اللهم وال من والاه وانصر من نصره" والتي يرى فيها الشيعة الإثني عشرية والإسماعيلية والعلويون أنها استخلاف صريح لعلي ابن أبي طالب، ولكن عليا كان مشغولا بتجهيز جثمان النبي وعقد اجتماع السقيفة بدونه واستحوذ السنة فيما بعد على الخلافة وحتى حين وصلت الخلافة لعلي كخليفة رابع تم التشويش عليها وأخذت منه ومن ذريته غدرا. اما الظلم المعروف والذي يتذكره الشيعة كل عام فهو مقتل الحسين على يد يزيد بن معاوية والاحتفالات التي تصاحب ذكرى عاشوراء توحي لغير المسلمين وربما لغير الشيعة ان الامام الحسين قد قتل بالامس . هذا التاريخ المأساوي والدارمي يجعل من الخط الرئيس في السرد السياسي الشيعي خط مأساة وخطاب ضحية . فكيف لمن يرى نفسه ضحية دائمة ان يتقلد سدة الحكم ويتخلص من هذا الإرث التاريخي السياسي والعاطفي ؟
الوقوف في خانة المعارضة السياسية أو خندق الثورة يبدو أمرا طبيعيا ومتسقا مع التاريخ السياسي الشيعي اما الاستقرار فيبدو وانه نقيض لحالة الثورة أو حالة ذهنية الضحية التي تستلهم تاريخ الاضطهاد. إذن الشيعة في المعارضة داخل الدولة أو في تصدير الثورة خارجها، ومن هنا نفهم وضع حسن نصر الله في لبنان أو استمرارية تصدير الثورة الإيرانية التي يبدو صاحبها وكأنه قائد دراجة إذا ما توقف عن التبديل وتحريك رجليه سقط من فوق الدراجة. تصدير الثورة أو الاستمرار في التبديل هو ما يجعل أئمة طهران وثورتهم مستمرة. ولكن ان كان هذا يساعدنا في فهم ما يحدث في ايران أو جنوب لبنان، فكيف نفهم حالة نوري المالكي في العراق؟ المالكي وجماعته في حالة اقرب الى الترابي والبشير عند السنة، رجل يصر على المعارضة وعلى الاستئثار بالحكم مما قد يؤدي الى تقسيم العراق كما انقسم السودان، ومن هنا يبدو ان الأمر ليس شيعيا نقيا كما جاءت المقولة أو المقال. الأمر اذن لا يخص الشيعة وحدهم وربما ينسحب على جماعات مختلفة في التاريخ العربي القديم والمعاصر وآخر الجماعات غير الشيعية التي سيطرت عليها ذهنية الضحية هي جماعة الإخوان المسلمين في مصر خصوصا. فما ان تتحدث مع الإخوان حتى تستمع الى دراما عذاباتهم منذ نشأتهم عام 1928 في الاسماعيلية حتى ثورة 25 يناير 2011 التي مكنتهم من الحكم ورغم ان الإخوان يحكمون مصر الان الا انه ما من جمعة تمر الا وخرجوا الي الشوارع في مظاهرة، مرة تأييدا للرئيس ومرة ضد من يعترضهم.. المهم انهم مازالوا لم يبرأوا من مرض المعارضة . يريدون ان يكونوا في القصر وفي الشارع في الوقت ذاته. خطابات الرئيس المصري محمد مرسي تبدو في غالبها خطابات معارضة. خطابات المرشد خطابات معارضة وكذلك تغريدات العريان والبلتاجي ومعهم الرئيس فربما يخجلون ان يكونوا في الحكم من كثرة ما أدمنوا المعارضة أو ربما لا يريدون تبعات الحكم ومسؤولياته او أنهم لا يعرفون ان يحكموا أو يجيدوا فن ادارة السلطة.وما اخوان مصر بالحالة الخاصة، بل انظر الي البشير في السودان وانت ترى عجبا، فالرجل مقاوم محليا حتى فقد نصف وطنه ومقاوم دوليا حتى وضع نفسه في قفص. أو انظر الى حماس في فلسطين فترى ما هو اعجب. هل هو تشيع سياسي من قبل نظام البشير او نطام حماس وكل من تحالف مع ايران قد اصيب بالعدوى ؟ ام ان تبني ذهنية الضحية هو مرض في منطقتنا وان الأمر لا علاقة له بالشيعة بل هو مرض من امراض منطقتنا المزمنة وعلاقتنا بالمسؤولية وفشلنا في ادارة شؤوننا بعد رحيل الاستعمار؟! دراما ترحيل كل أسباب فشلنا على الخارج وعلى الاستعمار وبلاوي التاريخ الذي في نظرنا لم يكن منصفا لنا، رغم أننا لم نجر في سلاسل كالافارقة الى العالم الجديد أو لم نعامل بالقسوة التي عامل بها الاستعمار الهنود الذين نهضوا رغم ما يستحق ان يبكى عليه، مقارنة بالسود والهنود نحن كان وضعنا أهون ولكننا غارقون في خطاب الضحية وفقه الضحية.ظني ان الحاكم كفرد متمرس في ادارة السلطة لايمكن أن تلتقي ذهنيته بعقلية الضحية الا في منطقتنا ولذلك يفشل الحكم، فالضحية والحاكم جنسان لا يلتقيان.هذا المرض اكثر وضوحا في حالة الشيعة ولكن طرح السؤال بهذه الفجاجة كان القصد منه تحفيز الذهن للحديث عن ثقافة تأبى تحمل المسؤولية كاملة فتتحرك بشكل زئبقي بين الحكم والمعارضة ، بين الضحية والجلاد . هذا السلوك المتذبذب لا يؤدى إلى اي نوع من الاستقرار، فهو سلوك يبحث عن معركة تجعل الضحية مستمرة في نشر ثقافة الضحية أحيانا أو الثورة أحيانا أخرى ولكنها ثورة لا تشبه الثورة، ثورة غير منتهية وبلا هدف، ومن هنا أبشروا بسنين طوال من عدم الاستقرار. فعقلية الضحية والاستقرار (دونت ميكس) .