عين ع الإعلام

03:28 مساءً EET

د. مأمون فندي يكتب: من الأخطر: إيران أم إسرائيل؟

مقال تم نشره في جريدة الشرق الأوسط عام 2006

إيران وإسرائيل كلتاهما تبحثان عن نفوذ وسيطرة على العالم العربي. حرب لبنان وكذلك المواجهات في فلسطين اصبحت ساحات للحرب بالوكالة بينهما. اولوية العرب اليوم هي النظر بعين باردة الى المشهد السياسي الذي يريدهم وقودا لهذه الحروب.

حتى نصل الى رؤية واضحة، أبدأ هذا المقال بمقارنة بين الأدوات السياسية التي تستخدمها كل من ايران واسرائيل لتحقيق مصالحها على حساب الجسد السياسي العربي.

بداية، لا فرق بين اسرائيل وايران من زاوية النظر اليهما كدولتين غير عربيتين تحتلان أراضي عربية، الا من ناحية مساحة الأرض المحتلة وعدد سكانها. اذ تحتل ايران ثلاث جزر عربية هي الطنب الكبرى، والطنب الصغرى، وأبو موسى، وكلها جزر اماراتية. بينما تحتل اسرائيل أراضي فلسطينية ولبنانية وسورية.

فإذا كان السؤال من الأخطر على العرب من زاوية احتلال الاراضي، فالجواب بلا شك هي اسرائيل. ولكن يمكننا الاستدلال من طرق الاحتلال على نوايا الدولتين. فالواضح ان ايران تبحث عن نفوذ وسيطرة في الخليج الذي تسميه بالخليج الفارسي، بينما تسعى اسرائيل الى نفوذ وهيمنة على منطقة الشرق الاوسط برمتها. ويتضح هذا ايضا اذا ما بحثنا في العلاقات التاريخية لكل من ايران واسرائيل مع الدول العظمى. فايران منذ عهد الشاه، كانت، ولا تزال، تسعى لأن تكون الوكيل الوحيد لأميركا في منطقة الخليج، بينما تحاول اسرائيل في المقابل ان تكون الوكيل الوحيد ايضا لاميركا، ولكن في مساحة أوسع، هي منطقة الشرق الاوسط بأكملها. وبالتالي فإن اي معارك مباشرة أو غير مباشرة بين ايران واسرائيل، هي معارك على من يفوز بالوكالة الاميركية في منطقتنا.

والسؤال الأخطر الآن: هل سيأتي اليوم الذي ستتراضى فيه الأطراف الثلاثة، فتوافق أميركا على توزيع وكالتها بين ايران واسرائيل، كل في منطقة النفوذ التي تتطلع اليها، لتصبح ايران الوكيل الاميركي في الخليج، ويوضع ما تبقى من العالم العربي تحت الهيمنة الاسرائيلية؟

هناك مؤشرات على ان تقاسم النفوذ هذا ممكن، اذا ما قرأنا المشهد الاميركي بعناية، ففي واشنطن ونيويورك الآن اطراف اميركية مقتنعة بأن الطريق الوحيد للخروج من المأزق العراقي يمر عبر طهران، كما أن العديد من شركات البترول العالمية، وبدافع مصالحها، تضغط باتجاه ترتيب صفقة بين واشنطن وطهران، اساسها السماح بدخول الغاز الايراني الى السوق الاميركية. وهذه الصفقة أعرف جيدا أنها نوقشت بالفعل في أوساط قريبة من الادارة، كثمن معقول لفكرة تقاسم النفوذ.

هذا الطرح الخاص بتقسيم مناطق النفوذ، قد يبدو غريبا على مسمع القارئ العربي الذي تدغدغ مشاعره خطب أحمدي نجاد الملتهبة عداء للشيطان الأكبر، ولكنه طرح متداول في الدوائر الايرانية والاسرائيلية والاميركية في عواصم العالم الكبرى، ويروج له بغطاء فكري. فمجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، والذي يعتبر معمل إنتاج الأفكار للسياسة الخارجية الأميركية، لديه الآن باحثان أساسيان هما، فالي نصر (مسلم)، وراي تكيه، كلاهما من أصل إيراني. في كتابين لكل منهما صدرا حديثا يبحثان في مسألة إيران والشيعة، يتبنيان مقولة أساسية واحدة تتلخص في أن العدو الاساسي للغرب، واميركا تحديدا، هو التطرف السني الوهابي. يقول فالي نصر في كتابه «الصحوة الشيعية»: «إن الصحوة الشيعية هي السد المنيع في مواجهة التطرف السني في المنطقة، فهي صحوة مضادة لها وللتطرف بشكل عام، تهدف الى تغيير المنطقة بشكل ديمقراطي» (ص 251). وعليه إذن يجب على الغرب أن ينظر الى ايران كحليف محتمل ضد هذا التطرف السني الذي يضر بمصالحه. هذه النظرة الايجابية نحو ايران كحاضنة لـ«الصحوة الشيعية» ظهرت واضحة في الندوة التي عقدها مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، الشهر الماضي، والتي شارك فيها الكاتب المذكور. وفي سياق الترويج لإيران كحليف محتمل للغرب ضد التطرف السني، بدأ التذكير بعلاقات «ايران الشاه» المميزة مع اسرائيل، ودور اليهود الايرانيين في تدعيم هذه العلاقة، وكذلك التذكير ببراغماتية «ايران الخميني»، التي عقدت صفقة أسلحة مع اسرائيل في أوائل الثمانينات، وعندما كشفت هذه الصفقة السرية، سميت بفضيحة «ايران ـ كونترا».

ما سبق يشير الى احتمالية جدية فيما يخص تقاسم الجسد العربي بين ايران واسرائيل، على غرار «سايكس بيكو» جديدة، لكنها غير معلنة هذه المرة. هذا هو الخط العريض الذي يتحرك من خلاله التنافس الايراني ـ الاسرائيلي في المنطقة العربية، ولكن يبقى التنافس والقدرة على توسيع النفوذ أسير الأدوات المتاحة لكلا الطرفين. ولكي تتضح الصورة لنا حتى لا نبقى متفرجين «مفعولا بهم»، علينا ان نقارن بين الأدوات المتاحة لكل من اسرائيل وايران.

بداية، اسرائيل دولة نووية، ولديها قدرات عسكرية أكبر لفرض هيمنتها. أما ايران بالمقارنة، فهي دولة ما زالت تسعى الى توازن نووي. من هذه الزاوية الخاصة بالقدرات العسكرية والتقنية، تكون اسرائيل هي الأخطر. ولكن ايران تتفوق على اسرائيل في ثلاث نقاط اساسية.

النقطة الاولى، ان لايران أذرعا شعبية تنتشر في كل الدول العربية تقريبا، وكما ان لها منظمات داخل هذه الدول تتمتع بشرعية وشعبية محليتين. المثال الأبرز على ذلك، «حزب الله» في لبنان الذي كسب تعاطف وتأييد عرب المشرق والمغرب في حربه الأخيرة. اذا ما قارنا هذا التغلغل الايراني القوي بمحاولات التغلغل الاسرائيلية المماثلة، مثل حالة «جيش لبنان الجنوبي»، وارتباط قادته (لحد وحداد) بإسرائيل، فالمقارنة بالتأكيد لصالح ايران، وهنا تكون ايران هي الأخطر في اختراق الداخل العربي.

النقطة الثانية، ان التغلغل الايراني يتمتع بغطاء ايديولوجي يجعله مقبولا لدى العرب المستهدفين. هذا الغطاء يتمثل في تماهي ايران مع خطاب «الصحوة الاسلامية». فباسم وحدة الاسلام يتجاهل كثير من العرب حقيقة ان ايران تحتل أراضي عربية، بل يسارع بعضهم الى اتهام من يأتي على ذكر هذا الاحتلال الايراني بالطعن في وحدة الاسلام. وهنا ايضا تكون ايران هي الأخطر في تغلغلها تحت عباءة اسلامية غير متاحة لاسرائيل. ألا يبرر بعض العرب حتى يومنا هذا استعمار تركيا للعالم العربي لقرون عديدة، تحت غطاء «الخلافة الاسلامية»؟ أليس التخوف من أن نجد في عالمنا العربي من يبرر ويقبل هيمنة ايرانية تستخدم الراية الاسلامية ذاتها التي استخدمتها «الخلافة الاسلامية» التركية، هو تخوف منطقي؟!

النقطة الثالثة، التي تتفوق بها ايران على اسرائيل في مسألة بسط النفوذ، هي الآلة الإعلامية الايرانية في العالم العربي. فإيران لديها قناة «العالم» الناطقة بالعربية والتي لا تحتاج لمشاهدتها الى لاقط (دش) في العراق وبعض مناطق الخليج، ولديها قنوات حليفة مثل «المنار 1» اللبنانية، و«المنار 2»، هذا ما يطلقه البعض على قناة «الجزيرة». كما ان لديها صحفا يومية تروج لها، توزع في المدن العربية والأوروبية. وكلنا نعرفها، ومع ذلك لا نذكرها، ولعل ذلك دليل آخر على نفوذ «اللوبي الايراني» في أوساطنا الإعلامية. طالبنا بخروج إسرائيل من لبنان. وخرجنا الى الشوارع مطالبين بخروج السوريين العرب من لبنان. فهل فينا من يجرؤ بالمطالبة بخروج ايران من لبنان؟ إذا كنا غير قادرين على هذه المطالبة، وغير قادرين على إعلان رغبتنا في خروج ايران من الجزر الإماراتية الثلاث، فقط نهمس بذلك خفية وخشية الاصطدام بالأذرع الايرانية التي هي منا وعلينا. تلك الأذرع التي تلوح، عند أي حديث عن هيمنة ايرانية، بحرب طائفية تمزق الجسد العربي، وتقطع أوصاله، وتفخخ الدولة العربية من الداخل.

 إذا كان الأمر كذلك.. فبكل تأكيد: إيران هي الأخطر.

التعليقات