عرب وعالم

07:15 صباحًا EET

خيارات وبدائل الاستراتيجية الاقتصادية العُمانية لمواجهة تراجع أسعار النفط العالمية

باتت اقتصاديات الدول العربية والعالمية المنتجة والمصدرة للنفط، محل إعادة نظرة عامة أو هيكلة شاملة بعد الانخفاضات المستمرة للأسعار العالمية للنفط، فقد تعرضت اقتصاديات دول منظومة مجلس التعاون الخليجي بدون شك الى هزة محدودة وإن تباينت بين دولة وأخرى وفقا لقدراتها الإنتاجية وإمكاناتها لامتصاص التداعيات الجارية في ضوء ما شهده الربع الأخير من العام الحالي من انخفاض كبير في أسعار النفط، بعد أن وصل سعر البرميل من مزيج برنت إلى ما دون مستوى 85 دولارًا للبرميل، قبل أن يشهد تعافيًا نسبيًا في الأيام الماضية.

وقد استفادت سلطنة عُمان بدون شك من التوقعات السابقة حول إمكانية نضوب الاحتياطي العالمي من النفط وتحذير الدول التي تعتمد على النفط كمورد رئيسي لها بوضع استراتيجية لإيجاد بدائل للموارد النفطية وهو ما سعت إليه مبكرا وعملت على الاستمرار في سياسة تعزيز التنويع الاقتصادي وتشجيع الاستثمار بشقيه المحلي والخارجي.

فقد وضعت خطتها الاقتصادية ومنذ السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن وعلى مدار 45 عاماً وفقاً لرؤية عميقة وحكيمة بأنه لا يمكن الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للطاقة، لأنه مصدر معرض للنضوب، وإنما لابد من تنويع مصادر أخرى للطاقة حتى تستمر عمليات التنمية الشاملة.

ثمة خيارات متعددة أمام السلطنة لتجاوز الأزمة الحالية خاصة أن لدى الحكومة العُمانية خبرة سابقة وتجربة مماثلة في مواجهة مثل هذه الأزمات الاقتصادية من خلال استغلال كافة الإمكانيات والمقومات المتاحة والعمل على تقليل الاعتماد على النفط في إطار استراتيجية لتنشيط وتأسيس القطاعات غير النفطية وتنويع مصادر الدخل، الأمر الذي يتطلب تهيئة هذه القطاعات لتكون قادرة على إنجاح سياسة تنويع مصادر الدخل.

خيارات وبدائل متاحة

ووفقا لرؤية الخبراء فإن سلطنة عُمان تمتلك خيارات وبدائل قوية لمواجهة الأثار السلبية المترتبة على الانخفاضات المستمرة لأسعار النفط العالمية من هذه الخيارات والبدائل ما يلي:

أولاً: ثمة أهمية كبيرة لتعظيم القطاع الصناعي وإدخال صناعات جديدة للبلاد تستطيع من خلالها المساهمة في زيادة الموارد المالية ولا سيما الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي أصبحت ضرورة ملحة لمساهمتها بشكل كبير في زيادة الموارد الاقتصادية للدول كما أن تهيئة المناخ الاستثماري والعمل على جذب مستثمرين جدد في العديد من القطاعات يساهم في تعظيم موارد الدولة وإصدار العديد من التشريعات والقوانين الاقتصادية للتغلب على آثار الأزمة.

فقد نشر المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية دراسة عن سياسة التشغيل والإصلاح الاقتصادي في سلطنة عمان، تتناول الوضع الاقتصادي والاجتماعي لسلطنة عمان مع التركيز على تأثيره على سوق التشغيل والخيارات السياسية التي تتدخل بالضرورة في رسم ملامح الوضع. وأكد أن مؤسسات الدولة العمانية تشهد ثورة لإعادة هيكلة الاقتصاد وإصلاح الخلل في بنية التشغيل والإنفاق لجعل الاقتصاد أكثر استدامة وقدرة على المنافسة.

وكانت سلطنة عمان أول بلد من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي يعد استراتيجية تنموية على المدى الطويل هدفها الأساس رفع التبعيات الهيكلية للاقتصاد بالتوازي مع حصول تغيير ديمغرافي كبير. وأطلق على هذه الخطة اسم “رؤية عمان 2020”. تشمل أهدافها الرئيسية: تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، تغيير الدور الذي تلعبه الحكومة في الاقتصاد وتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص، تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل القومي، عولمة الاقتصاد العُماني، رفع مستوى مهارات القوى العاملة العُمانية وتطوير الموارد البشرية

ثانياً: تعظيم موارد الدولة من القطاع السياحي وجذب سياح جدد، إذ تعمل الحكومة في سلطنة عُمان على وضع استراتيجية لاستغلال الظروف الحالية التي أدت إلى انخفاض معدلات السياحة في دول عربية أخرى كانت بمثابة قبلة للسياح لكنها أصبحت الآن تعاني من تراجعها نتيجة للأوضاع الأمنية غير المستقرة ومن هنا توظف السلطنة حالة الأمن والاستقرار التي تعيش فيها مما يؤهلها للمنافسة لجذب أكبر عدد من السياح من أنحاء العالم، يدعمها في ذلك ما يتوافر لديها من مقومات التنوع البيئي الواسع والمعالم الحضارية الراسخة.

ثالثاً: انتهاج سلطنة عُمان استراتيجية استخدام الطاقة البديلة والطاقة الشمسية، إذ تؤكد بعض الدراسات الاقتصادية التي أجريت في مجال الاستفادة من الطاقة المتجددة بأن السلطنة تستطيع استثمار إمكانياتها الواسعة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لاستخدامها في الكثير من المشاريع الحيوية التي تهم البنية الأساسية في البلاد، بالإضافة إلى استخدامها في زيادة إنتاجية المشاريع النفطية والغاز والصناعة والكهرباء والمياه وغيرها من المشاريع الأخرى التي تحتاج إليها المجتمعات في الحياة.

أشارت الدراسات أن معدل كثافة الطاقة الشمسية في السلطنة على سبيل المثال يعتبر واحدا من أعلى المعدلات في العالم، ولذلك تسعى الحكومة وبالتعاون مع عدد من الهيئات والشركات والمكاتب الاستشارية إلى استخدام هذه الميزة كمصدر للطاقة المتجددة، بينما هناك فرص أخرى لاستغلالها في مجال طاقة الرياح أيضا، الأمر الذي يمكن استغلالها في المشاريع التي يتم التخطيط لها مستقبلا. كما أصدرت هيئة تنظيم الكهرباء أول رخصة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية باستخدام الخلايا الشمسية (الكهروضوئية)، بولاية المزيونة بمحافظة ظفار.

فضلاً عن ذلك، فقد دشنت السلطنة المشروع الاستثماري في مجال النفط والغاز والمشاريع المرتبطة بقطاع الطاقة، ويعتبر المشروع أكبر محطة للطاقة الحيوية في القارة الآسيوية، وذلك بقدرة إنتاجية تبلغ 105ميجاوات وبتكلفة إجمالية تصل إلى 273 مليون دولار تقريبا.

إجمالاً يمكن القول، أن السياسة الاقتصادية العُمانية تقوم على وضع الخطط والبدائل التي يمكن من خلالها تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد العماني والذي يشكل رافعة جيدة له، ويساهم في الحد من الأضرار والخسائر التي من الممكن أن تحدث لو بقي معتمداً على النفط بشكل رئيسي، وتجتهد الحكومة العُمانية في البحث عن آليات وبدائل تستطيع من خلالها  تعظيم مساهمة موجودات الدولة وما يتوفر لديها من فوائض مالية لحماية الاقتصاد الوطني في المستقبل وتمويل حوالي 60% من ميزانية السلطنة من خلال عوائد الأموال المستثمرة في استثمارات طويلة الأجل في قطاعات واعدة، وأهمها قطاع تقنية المعلومات وغير ذلك من قطاعات مثل الصحة والصناعة والسياحة والزراعة، بما يضمن عوائد ربحية أعلى لكي يصبح الاقتصاد العماني قوياً لا يتأثر بانخفاض أسعار النفط العالمية، بما يساهم في رسم صورة مستقبلية في التخطيط والتنمية المستدامة والشاملة على المدى الاستراتيجي الطويل.

التعليقات