كتاب 11

06:18 مساءً EET

عبدالرحمن: لست آسفا على التأخير!

مات عبدالرحمن، وكنت ناوي أكلمه اليوم أو غداً في أسوأ الأحوال. منذ اربعة أيام  كلمني شقيقي جمال  وقال لي “اليوم اتصل الابنودي على رقم هاتفي، وقال لي: أنت هنا ولا في بلاد الفرنجه؟ قلت له انا جمال ودا تليفوني، مأمون مسافر “. قال جمال: كلمه شكله بيودع الناس اللي يعرفها. ولم أكلمه ليس بخلا أو تأخيرا وانما قلت في نفسي، اذا كان عبدالرحمن يودع أحباءه، فالتأخير في الرد افضل، وياريت كل واحد يتأخر يومين او ثلاثة في الرد حتى تضاف ايام التأخير هذه الى عمره، هكذا تصورت وكنت ناوي أكلمه خلال ايام ولكن السهم نفد، ومع ذلك لست آسفا على التأخير في الرد اذ كانت نيتي ان التأخير يباعد بيننا وبين لحظة الوداع ولم اكن وحدي بل كنت أدعو ان يتأخر كثيرون عن الوداع حتى يبقى الخال معنا ولو قليلا. 

 

لم اكن موفقا مع عبدالرحمن، عاتبني عندما كنت في القاهرة ولم احضر احتفال الاهرام به، لم اذهب ليس تقصيرا مني وانما لم تدعني الاهرام وظننت ان الامر يقتصر على أناس بعينهم فانا لا احب اقتحام لحظات الآخرين حتى لو كنت احبهم. ومع ذلك عندما عاد الى الإسماعيلية كلمني وقرأنا سويا قصيدته “تاج الجزيرة”. استوقفتني بعض الصور الطازجة التي تسمعها فقط من عبدالرحمن الابنودي:
 
وقعدنا إِحنا يا اهل البصيرة
 
نفطر تعاسة ونتغدى حيرة
 
كله ما حوّق
 
والطوق يطوّق
 
يومها انفلت مننا صباحنا
 
ودخلنا بيكى لعبة عسيرة
 
مُهرة أصيلة تسابْقِى ضلك
 
لقيتى نفسك طالعة الأخيرة
 
يومها ف ميدان الثورة اتنشلنا
 
وانتى لبستى (تاج الجزيرة)
مهرة أصيلة تسابقي ضلك وانت يا عبدالرحمن فرس عربي أصيل مفيش منك، مثلك مثل البلد لأن طينتك من طينة البلد.
 
وعدت الابنودي على التليفون انني ومجموعة من الأصدقاء سنقيم له تمثالا وقلت له ” يا عبدالرحمن ياريت يعمل لك التمثال الاستاذ آدم حنين، فهو اهم مثال مصري عايش بعد مختار والرجل عمره يمكن 80 سنة، خلينا نلحقه قبل ما يموت”، ضحك عبدالرحمن وقال ” وانا وشي وش تماثيل!” 
 
ومع ذلك حنعمل تمثال في وسط ميدان قنا الرئيسي، قنا التي يسرق اهلها كل يوم حتى من ثقافتهم.
 
كان الابنودي شاعرا عظيما خلد لغتنا في الجنوب، وجعل عبد الحليم يغني بعض الكلمات باللهجة الصعيدية . وكان روحا عالية كأنه ولد من النيل عند ابنود وعاد الى النيل مرة اخرى ، كان خفيفا ومحبا وروحا عالية، ستفتقدها ابنود وقنا والإسماعيلية والقاهرة وكل ربوع مصر. سيفتقدك يا عبدالرحمن كل من يبحث عن صعيدي أصيل مش مزور. أو عن مصري أصيل مش مزور.
 
البنات البكر يا عبدالرحمن في ابنود حالة الضفاير وكاشفات رؤوسهن، ليس اعتراضا على أمر الله، ولكننا هكذا في الجنوب، في حزننا شيء من الاعتراض وانت عارف.
عبدالرحمن كنت كما نخل الصعيد تطرح ضل، وكان ضلك البارد مرمي على وشوش الناس يريحهم في عز الحر، كنت كما قلة قناوي، الميه نازة من الجنبين، ندبه تروي شقوق الحلق، تروي كما كان النيل يروي الارض الضما، كنت ايضا تسقي شقوق الشعر.
 
وداعا عبدالرحمن الابنودي… لست آسفا على التأخير. وياريت التأخير نفع.
 
ملحوظة– كما في جوابات حراجي القط –
كان ممكن وانت عارف اكتب المقال بالفصحى ولكن انت كنت بتحب نتكلم كده، وللأسف الدنيا كده.
عديله يا عبدالرحمن.