كتاب 11
هل تقود مصر تحالفا عربيا لإنقاذ ليبيا؟
هل نستطيع رغم صدمة الجريمة البشعة التى حدثت للمصريين فى ليبيا قبل أمس أن نفكر بشكل استراتيجى فى خطورة ما يحدث فى ليبيا على الأمن القومى المصرى الذى أساسه ولبنته الأولى هو أمن المواطن المصرى اينما حل وأينما رحل؟
ومن هنا يكون السؤال هل بمقدور مصر ان تقود تحالفا إقليميا ودوليا يهدف الى استقرار حدودنا الغربية وما نوعية هذا التحالف ومن يدخل فيه ومن لا يدخل؟
بكل ما تعلمته من تدريس العلوم السياسية فى الجامعات الكبرى وتدريس الاستراتيجية أقول انه بات ضرورة مصرية أن نقود فى الأزمة الليبية، وذلك لأن استقرار ليبيا أساسى فى الأمن القومى المصرى وأن مكانة مصر كقائد عربى وإقليمى تحتاج الى عمل يقنع الجوار والعالم بأن مصر جديرة بهذه القيادة . اعرف أن عرضا كهذا لو وضع على طاولة النقاش فى مجلس الأمن القومى أو الدفاع الوطنى سيجد أصواتا مترددة ترفضه بدعاوى مختلفة ولكن الرئيس ومن معه قد يرون وجاهة فى الطرح الذى سأسوقه فى هذا المقال.
أولا ليس مصر وحدها التى بات العالم مشككا فى قدرتها على القيادة ولكن الدول العربية مجتمعة أصبحت محل شك فى قدرتها على دعم الاستقرار فى أراضيها وفى الإقليم ولهذا بات لزاما على الدول العربية ان تشد عودها وتبنى تحالفا من اجل الاستقرار فى ليبيا. كنا هناك عندما حدث تحالف قادته فرنسا وإيطاليا مع حلف شمال الأطلسى لإنهاء حكم القذافى ولكن النموذج الذى أطرحه هو نموذج تحالف عربي- متوسطى يستبعد كلا من تركيا وقطر ويضم بالاضافة الى الدول المتوسطية كلا من الامارات والسعودية والأردن إضافة الى بعض الدول الافريقية المجاورة لليبيا. وزيرة دفاع إيطاليا تتحدث مع دول مختلفة كى تقوم إيطاليا بقيادة تحالف من هذا النوع، ولا يجوز ان تترك القيادة فى استقرار ليبيا لإيطاليا بل يجب ان تكون قيادة مصرية، ما اتحدث عنه باختصار مهمة محددة لاستقرار ليبيا يكون جوهرها عربيا, اضافة الى الدول ذات المصالح فى ليبيا مثل إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، واذا أرادت امريكا ان تدخل فأهلا بها ولكن قيادة هذا التحالف يجب ان تكون مصرية.
لماذا هذا التحالف الان؟
كما جاء واضحا من ردة فعل المصريين وكذلك ردة الفعل الدولية لأول ضربات جوية مصرية لمعاقل المتطرفين فى ليبيا واضح ان مصر لديها ما يبرر هذا العمل العسكرى نتيجة للعمل البشع الذى نفذه المتطرفون بذبح 21 مصريا قبطياً فى ليبيا. ولكن لابد من ترجمة هذا التعاطف الداخلى والخارجى الى غطاء سياسى وقانونى لعمليات أوسع مقبلة .
هذا يتطلب قرارا من الجامعة العربية بتفويض مصر ومعها مجموعة عربية مساندة لقيادة عمليات تؤدى الى الاستقرار فى ليبيا واستقرار مجالنا الاستراتيجى غربا وشمال غرب . ثانيا يتطلب هذا تنسيقا مع الدول الأوروبية والعربية المتوسطية اضافة إلى السعودية والامارات والأردن للحصول على قرار دولى بشأن ليبيا. كل هذا لايجوز ان يتأخر عن مدة أقصاها أسبوعان
بداية اى عمليات عسكرية تتطلب ثلاثة أمور: الاول هو تحديد المهمة بشكل ضيق ومركز، ثانيا، تعريف واضح لمعنى النصر والثالث طريق الخروج ونهاية العمليات. فهل تعريف النصر هو القضاء على كل متطرف فى ليبيا؟ لوعرفنا النصر بهذه الطريقة فهذا بالضبط معنى التورط فى المستنقع الليبي، فلا مصر ولا دول العالم مجتمعة تستطيع ان تقضى على كل داعشى ليبيا، والأمثلة كثيرة من أفغانستان الى العراق الى الصومال.
ماهى معوقات قيادة مصر تحالفا لاستقرار ليبيا؟
أول المعوقات هو البيئة المحيطة بالحديث عن القضايا الاستراتيجية حيث تتصدر سخافات الحوارات التليفزيونية والصحفية المشهد فلا نستطيع تمييز المفاهيم المبنية على علم وخبرة وبين حوارات المقاهى والسيناريوهات العبثية ولدينا عدد كبير من المتقاعدين عن الخدمة ممن أصابتهم الدروشة من يملأون الشاشات بأحاديث اقرب الى الخزعبلات من نوعية ان قتل الأقباط فى ليبيا هو عملية مخابراتية لتوريط مصر فى ليبيا بعد ان فشلت امريكا فى ضم مصر الى تحالف محاربة داعش فى العراق وسوريا ، هذا النوع من السخافات التى تسيطر على عقل المنطقة منذ خروج الاستعمار حتى الان لا مكان له على طاولة الحديث فى القضايا الاستراتيجية، فهذا كلام مقاه لا مراكز دراسات.
المعوق الثانى هى الدول التى لا ترغب فى دور مصرى قيادى فى المنطقة وأولها قطر وتركيا، لذلك طرحت ان يكون التحالف متوسطيا عربيا للراغبين بحيث تذهب تركيا وقطر الى الامم المتحدة وليس هنا لإبداء اعتراضاتهما.
المعوق الثالث هى بعض الدول الكبرى التى تريد ان تقود مثل امريكا وإيطاليا وربما فرنسا، ولكن بتنسيق مصرى سعودى إماراتى وأردنى يمكن إقناع هذه الدول بأن تكون القيادة لمصر لانه تحالف عربى لاستقرار دولة عربية مدعوم من القوى العظمى وليس عملا دوليا بغطاء سياسى عربى كما كانت الأمور فى السابق من حرب الكويت الى العراق الى ليبيا القذافي. النقطة الرئيسية هى ان المعوقات قد تكون كثيرة ولكن يمكن تجاوزها بسهولة. ولكن قبل كل هذا ما المكاسب والخسائر من قيادة مصر تحالفا عربيا مطعما بعناصر إقليمية ودولية لاستقرار ليبيا.
نبدأ بالخسائر ، نحن كمصريين مسكونين بفشل تجارب التدخل الخارجى من تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى اليمن إلى تدخل السادات فى عملية مطار لارناكا، ولكن ليس كل تدخل خارجى مكتوبا عليه الفشل. رغم فشل تدخل مصر فى اليمن الا ان هناك شيئا مهما لابد ان نعرفه هو ان استقرار اليمن واستقرار الملاحة فى باب المندب هما جزء أساسى من مكونات الأمن القومى المصرى أو يقعان فى المجال الحيوى لتصور استراتيجية الأمن القومى المصري، وهذه النقطة هى الأساس ولا يعنى اننا فشلنا فى تحقيق الهدف مرة معناه التخلى عن المبدأ الاستراتيجى الحاكم. ليبيا أساسية والتدخل فيها من اجل الاستقرار اكثر اهمية من اليمن والسيسى اكثر تعليما استراتيجيا من عبدالناصر وجيشنا الان افضل عشرات المرات من جيشنا الذى دخل اليمن. إذن مبدأ التدخل ليس محرماً فى العقل الاستراتيجى المصري.
المكاسب من العملية تتمثل فى استعادة مصر مكانتها القيادية فى المنطقة المدعومة من أشقاء يريدون لنا ان نكون فى موقع القيادة . هذه القيادة الإقليمية ستمنح مصر شرعية عالمية كقائد فى المنطقة ليس بالكلام فى الشاشات وانما بالأفعال على الارض وفى الجو. تبعات هذه القيادة الإقليمية كثيرة أولها منح مبادراتنا المختلفة و الاقتصادية تحديدا ذراعا او غطاء سياسيا يجعل دعم مصر ضرورة للاستقرار وليس صدقة. النقطة الثانية وكما قال عبدالناصر بتصرف فى فلسلفة الثورة أن هناك دورا يبحث عن لاعب وان لم نملأ هذا الفراغ الاستراتيجى فى مجالنا الاستراتيجى الحيوى فإن دولا كبرى ستملأ هذا الفراغ، فنظرية الفراغ معروفة للجميع، الفراغ الاستراتيجى مثل المكنسة الكهربائية سيشفط اى دولة مستعدة للتدخل واذا تراجعنا فستقود إيطاليا التحالف ونصبح فى وضع لا يليق بمصر مكاناً ومكانة وقد تتطور الأمور الى الأسوأ .
القول الفصل هو أننا امام خطر وفرصة، الخطر هو انهيار ليبيا أو وقوعها فى قبضة المتطرفين كما وقعت اليمن فى قبضة الحوثي. أما الفرصة فهى استعادة مصر لمكانها الريادى بقيادة تحالف عربى لاستقرار ليبيا نواته مصر والسعودية والامارات والأردن مدعوم من الدول الافريقية المجاورة لليبيا ومدعوم دوليا من دول المتوسط الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا ولو ضاعت هذه الفرصة التى لها ما يبررها لاستعادة مصر ومكانتها قائدا وأغلقت نافذة الفرصة، فإن إمكان تكرارها سيكون صعبا.
آن لمصر ان تقود، وليبيا هى الفرصة لبناء تصور جديد للأمن القومى المصرى والامن الإقليمى من منظور عربى خالص.