كتاب 11

12:34 مساءً EET

جماعة «بن لكن» مرة أخرى

جماعة «بن لكن» هو مصطلح نحته فى 26 سبتمبر عام 2001 تعليقا على ردة فعل بعض العرب المترددين فى إدانة ما حدث فى نيويورك وواشنطن كما هو حال البعض الان فى حديثهم عما حدث من جريمة مروعة فى قلب العاصمة الفرنسية باريس والذى أدى الى قتل 12 شخصا.

نفس ردود الأفعال تكررت عند البعض مثل استخدام عبارات «ندين الإرهاب.. ولكن»، مجلة شارلى أبدو هى التى بدأت الى اخر استخدام العبارات غير القاطعة فى مواجهة الإرهاب، حدث ذلك بعد احداث سبتمبر ويحدث اليوم وكأن كل هذه الأعوام لم تمر علينا، رغم ان الأيام تكشف لنا من سبتمبر 2001 حتى الآن أن معظم الناس فى عالمنا العربي، وكذلك العالم الاسلامي، قد اختطفوا من قبل هذه الجماعة الجديدة التى اسميتها «جماعة بن لكن».

هذه الجماعة تؤثر المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، يهمها ان تسجل بطولات على شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد على حساب الأهداف الاستراتيجية للعرب والمسلمين على المستوى التنموى الاقتصادى والسياسى والعسكري.

يهمهم ان يغازلوا الارهاب من دون ان يدفعوا ثمناً سياسياً لمواقفهم.

المهم ترى لماذا طالبت يومها فى 2001 وأطالب الان وبنفس النفس باتخاذ مواقف واضحة تجاه الارهاب «من غير لكن» ؟

أولاً: فى تقديري، كمتابع للشأن الغربى والأمريكى على المستوى السياسى العالى، وكذلك على مستوى الرأى العام، أرى ان امريكا قبل 11 سبتمبر تختلف تماماً عن أمريكا ما بعد هذا التاريخ. ولا أعتقد ان هناك من يختلف معى فى هذه الملاحظة. السؤال هو: ماذا تعنى هذه الملاحظة بالنسبة للعرب والمسلمين وعلاقاتهم بالغرب عموماً وأمريكا تحديداً؟

بداية اقول ان العقل الجماعى الامريكى بعد 11 سبتمبر هو بمثابة مولود جديد لا يعرف الكثير عن عالم ما قبل 11 سبتمبر. فهو عقل يحدد اصدقاءه واعداءه بناء على مواقفهم من امريكا ومن الارهاب. فمن صادق امريكا فى هذه اللحظة، كان صديقها الى الأبد ومن عاداها فى هذه اللحظة فسيظل عدوها ولفترة طويلة. وللعرب درس فى مسألة ايران. فقد احتجزت ايران رهائن امريكية منذ ربع قرن تقريبا، وحتى هذه اللحظة يصعب على اى انسان ان يتحدث ايجابيا عن ايران. ربما سيكون موقف امريكا من اعدائها بدرجة أشد هذه المرة.

هذا ما كتبته حينها بعد احداث سبتمبر وهو ينطبق اليوم على موقف الفرنسيين ايضا ففرنسا قبل حادث القتل فى قلب عاصمة النور كما يسمونها وما بعدها سيكون الفارق كبيرا.

قلت يومها ولم يستوعب احد «فاذا كان العرب يقولون دائماً ان اسرائيل مسيطرة على العقل الجماعى الأمريكى فهذه فرصة العرب والمسلمين. فقد فتحت فى هذه اللحظة التاريخية «نافذة فرصة» (Window of apportunity) لتحسين صورة الاسلام والعرب فى الاعلام الامريكي. ما يحدث الآن هو امر غير مسبوق من ناحية الحديث الايجابى عن العرب والمسلمين. فمثلاً، لم يحدث ومنذ أمد بعيد ان تجرأ احد فى امريكا ليقول على شاشات التليفزيون وفى الصحف ان التمييز ضد العرب خطأ وان الاسلام يختلف عن الارهاب. حدث ذلك الآن. ومن مَن؟ من رئيس الدولة، بعدما زار جورج بوش المركز الاسلامى فى واشنطن ومنه اعلن لكل الامريكيين ان الاسلام دين سماحة ودين سلام. وتلقف الشعب الامريكى رسالته وكذلك الاعلام الامريكي، وبذلك انفتحت هذه الفرصة للعرب وللمسلمين. هذا ما قام به بوش ورجاله، اوجدوا شرخاً فى العقلية الامريكية السائدة المعادية للعرب وللمسلمين وفتحوا الطريق امام بناء صورة ايجابية عن الاسلام. بالطبع لن يقوم الامريكيون بفعل هذا فأساسا ان العمل لتوسيع هذه النافذة ترجع لجهد العرب والمسلمين انفسهم. وكى تتسع هذه المساحة لا بد من خطوات كثيرة، اولها ان نكون واضحين وضوح الشمس فى ادانة ما حدث، ولنترك الامريكيين وحدهم يراجعون سياستهم الخارجية فى الشرق الأوسط.

اما ان ننتقدها نحن، وفى هذا الظرف تحديداً، فلن يفهم الامريكيون هذا النقد الآن الا فى اطار الشماتة. اتركوا أمريكا تعيد تقييم سياستها بنفسها، ففى امريكا الآن حوار حى حول اسباب الارهاب، حيث يقبل الامريكيون من داخلهم بالاعتراف بأن أزمة الشرق الأوسط هى احدى الأسباب، ولكن ان يقول لهم ذلك طرف عربي، خصوصاً اذا كان مسؤولاً سياسياً، فلن تُقبل النصيحة حتى لو كان الامريكيون قد توصلوا الى تلك النتيجة بأنفسهم.

فللرسالة وقع من خلال المرسل. نفس ما قلته عن أمريكا يومها والذى فشلنا فيه، أقوله عن فرنسا اليوم، فهناك نافذة فرصة ووجود بعض الوجوه العربية القيادية مثل ملك الاردن وزوجته والرئيس محمود عباس والشيخ عبدالله بن زايد سيكون له أثر إيجابى ويصحح ما فاتنا بعد احداث سبتمبر وطريقة تعاملنا مع امريكا.

إن الذين يستخدمون عبارات على غرار «ندين الإرهاب، ولكن» يغيمون على الرسالة الأساسية، فالذى سيصل الأمريكى والفرنسى اليوم ليس ما قبل «لكن»، وانما «لكن» وما بعدها. وبالتالى يتحول الموقف العربى الصادق فى حزنه الى موقف شامت من امريكا ومن فرنسا اليوم. وهناك كثيرون ممن لهم مصالح معادية للعرب والمسلمين يحاولون استغلال ما بعد «لكن» فى العبارات العربية ويصورون الموقف العربى فى اطار «لا تقربوا الصلاة».

فعندما يقول عربى وخصوصا القادة منهم او الاعلاميون «إننا ندين ما حدث فى نيويورك ولكن على أمريكا ان تحل مشكلة الشرق الأوسط» فالرسالة التى يقدمها اعداء العرب لأمريكا او التى تظهر على شاشات التليفزيون هى «على امريكا ان تحل مشكلة الشرق الأوسط».

ولنتدبر معنى هذه العبارة بالنسبة للمتلقي. هذه العبارة تقول للمتلقى الأمريكى ان العرب هم المسؤولون عن هذا الحادث البشع وان من قاموا به قاموا به لتحرير فلسطين وان لم تحل المشكلة فى الشرق الأوسط ستضرب امريكا مرة اخري.

ترى ماذا يكون رد الفعل الامريكي؟ رد الفعل الامريكى هنا هو ان هؤلاء مجرمون واعداء لنا، وبالفعل لنا صديق واحد فى الشرق الاوسط هو اسرائيل.

امام العرب الآن فرصة ذهبية فى ان يؤكدوا للرأى العام الامريكى والغربى المكلوم انهم أصدقاؤهم وان مصالح امريكا والغرب مع العرب، وان العرب يقفون مع امريكا فى مصابها وهم ضد الارهاب، ومن غير «لكن».

ولو لاحظ العرب وتعلموا الدرس لتابعوا ما فعله نيتانياهو فى باريس وكيف حول قصة احتجاز رهائن فى شوبر ماركت يهودى وكأنه هو اصل الحكاية.

نفس النافذة ونفس الفرصة يمكن ان تصبح مأساة على العرب ومصالحهم اذا ما نجح اعداء العرب فى رسم صورتهم على انهم يكرهون امريكا وفرنسا وكل الغرب دونما مبرر من خلال اقتطاع بقية العبارات الواردة ما بعد لكن، وما اكثرها فى كتابات العرب وهى تكفى لتصوير العرب على انهم حاقدون على الغرب وكارهون له.

على العرب ان يحددوا لغتهم ويفرقوا ما بين خطابهم السياسى الشرعى وذلك الذى تبناه اسامة بن لادن وتتبناه اليوم جماعة داعش والقاعدة . قلت فى مقال 2011 «وكيف ان بن بلادن اختار يومها قناة واحدة بتصريحاته. موبالطبع لن اعلق على اختيار بن لادن لتلك القناة، واذا كان رجاله قد قتلوا آلاف الامريكيين تحت الأنقاض، فتلك الفضائية تشوه عقول الملايين من العرب والمسلمين، وربما يكون خطرها على المدى البعيد لا يقل كثيراً عن خطر الجماعات الراديكالية. » واعتقد ان الأيام اثبتت صحة ما كتبت .

إن ترك الأمور نهباً لجماعة »بن لكن« يضع العالم العربى فى مأزق تاريخى لا يقل خطورة عن مأزق نكسة 67. هذا المأزق سيجعلنا ندفع الثمن لاجيال قادمة. ثمن ندفعه من دمنا ودماء الأجيال القادمة. وحدث ويحدث. وكما حدى بعد 11 سبتمبر سيحدث بعد مذبحة باريس.

ترى ما هو العائد على العرب من مقولات عنترية لا تسمن ولا تغنى من جوع؟

التعليقات