كتاب 11
الخليج عربى بمصر
بمناسبة زيارة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى الى دولة الكويت الشقيقة، أدعو الى خيال استراتيجى جديد للعالم العربى, أساسه تحالف مصرى خليجى عاقل.
أو بمعنى أدعو المصريين أولا, إلى اعادة النظر فى علاقاتنا مع اشقائنا فى الخليج وأدعو ايضا أهلنا فى الخليج إلى اعادة التفكير فى مصر بواقعية عاقلة تخدم متطلبات الأمن والاستقرار لدى طرفى معادلة الاستقرار فى الوطن العربى المتمثلة فى علاقة استراتيجية خاصة بين مصر ودول الخليج العربى، والخليج العربى تتصارعه الأطماع ويسمه البعض بالخليج الفارسى ولن يكون الخليج العربى عربيا فى مواجهة الأطماع الا بتحالف استراتيجى مع مصر. ولنتجاوز جميعا الخرافات والزخارف التى كانت تغلف مشاريع عربية سابقة ونركز على ما هو مشترك بيننا بشكل واقعى أخذين فى الاعتبار خصوصية الدولة الوطنية فى كل بلد ولا نحاول أن يغير بعضنا من خصوصية الاخر، علينا ان نتعقل فى مواجهة التحديات الوجودية الآنية مبنية على الاقتصاد والأمن الإقليمى العربى آخذين فى الاعتبار الخصوصية الثقافية والسياسية للدول العربية، وهنا أركز مرة أخرى على انها دول، يحب احترام أنظمة حكمها وخيارتها المحلية، نتشابك مع بعضنا البعض فى مواجهة التهديدات الخارجية وحتى الداخلية من أجل مساعدة كل دولة على حدة فى تقليل هواجسنا الأمنية ومساعدة شعبها فى الازدهار والرفاهية، ولمواجهة التحديات الحالية المعقدة التى يفرضها علينا واقع أشبه بحالة حرب السويس عام 1956 والتى كتبت شهادة وفاة الامبراطورية البريطانية فى المنطقة، وخلقت حالة سيولة استراتيجية لم نوظفها ولم نبن عليها أو نطور مكاسبنا فيها، علينا أن نبحث عن خيال استراتيجى جديد وخلاق يهدئ مخاوفنا التى بدأت بمكالمة بين الرئيس الامريكى باراك اوباما وبين الرئيس الإيرانى حسن روحانى وما تلاها من حوار استراتيجى أمريكى ايرانى مما يجعلنا نفكر كثيرا فى طبيعة التحديات الاستراتيجية التى تواجه الفضاء الجيوسياسى العربى من قبل دول الجوار غير العربى المتمثلة فى إسرائيل وإيران وتركيا من ناحية وطموحات الدول العظمى من ناحية أخرى، اكتب أيضاً وانا مدرك ان 80% من خطاب الرئيس الامريكى اوباما فى الامم المتحدة كانت عن العالم العربى الذى بدأ وكأنه مشكلة العالم أو تم تدويله واصبح شأنا عالميا، اكتب هنا وفى ذهنى حالة الوهن الاستراتيجى العربى الجاذبة للتدخل الأجنبى بشتى صوره وفى ذهنى فى ذات الوقت ذلك الحدث الشعبى العفوى الذى حدث فى مصر يوم 30 يونيو (حزيران) 2013 فى مصر.
زيارة الرئيس السيسى للكويت وحفاوة اهل الكويت به لابد وان تكون بداية زخم عربى جديد نستوعبه جميعا.
نحن فى مصر وحتى الان لم نستوعب بدرجة كافية ما قامت به الكويت والسعودية والامارات وبقية دول الخليج لإنجاح ثورة 30 يونيو فى مصر، فبصراحة لا لبس فيها لقد فرضت اللحظة على هذه الدول الخليجية الثلاث – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت- خيارا ما بين مصر والغرب فاختاروا مصر ولم يكن الخيار عاطفيا، كما يتصور البعض فمصر هى عمق استراتيجى لهذه الدول الثلاث فى مواجهة تهديدات عدة آنية ومحتملة من قبل دول الجوار ومن قبل قوى عالمية. وقد وصفت هذا التحالف الاستراتيجى بين الامارات والسعودية ومصر بأنه مثلث استراتيجى جديد وكتبت يومها مقالا بعنوان «مثلثا استراتيجى جديد فى الشرق الوسط» ( الشرق الاوسط فى 19 اغسطس 2013). واليوم نحن نتحدث عن مربع وليس مثلثا بوجود الكويت فى قلب هذا التحالف. أقول لم يستوعب المصريون ما حدث وانا أعى تماما انه لو كان موقف هذه الدول ضد 30 يونيو لدخلت مصر فيما فيه سوريا الان، وكان الاخوان حطموا مصر على من فيها وخلفوا فوضى إقليمية لا يحمد عقباها، من هنا علينا كمصريين ان ندرك معنى ما حدث وان نعمق ونوسع الشراكة الاستراتيجية مع المنظومة الخليجية وان يكون لنا دور فى امن الخليج العربى ضد كل التحديات الإقليمية، أدعو الى خيال استراتيجى يجمع بين مصر ودول الخليج بطريقة عاقلة راشدة خالية من وهج العواطف.
بداية، إن فهم الدور المصرى فى المرحلة المقبلة المليئة بالمخاطر والفرص ودور مصر «كدولة خليجية»، يعتمد على معطيات بعضها جديد والآخر قديم، أول هذه المعطيات هو التوافق المصرى السعودى الاماراتى الذى نراه اليوم، وهو أمر حدث فى جزء كبير منه فى فترة الرئيس السابق مبارك، حتى لا نبخس الناس أشياءهم حتى لو انقلبنا عليهم، وربما كانت تلك من الحسنات المعدودة للنظام السابق وتعاظم هذا التوافق بشكل كبير بعد 30 يونيو ومن بعدها 3 يوليو التى اسقطت حكم الاخوان فى مصر الى الابد، ولدول الخليج مصلحة كبرى فى ان ينتهى نظام الاخوان فى مصر، الثانى هو تمدد النفوذ الإيرانى المستمر الذى لم يعد مقصوراً على دول الخليج وبلاد الشام بل امتد إلى ما يمكن تسميته بالدول ذات الهوى الشيعى الثقافى أو الحضارى، كما فى حالتى المغرب ومصر. إضافة الى التقارب الامريكى الإيرانى الجديد القديم. فحتى لا ننسى لا بد وان ندرك ان ايران كانت شريكا لأمريكا فى الترتيبات الأمنية فى العراق بعد سقوط صدام وجميعنا يذكر حديث الأمير سعود الفيصل أيامها إمام مجلس العلاقات الخارجية فى نيويورك عندما عبر عن غضبه بوضوح حين قال ان أمريكا سلمت العراق لإيران .
أما المعطى الثالث الذى يجعل من مصر دولة خليجية فهو حجم العمالة المصرية فى دول الخليج، والذى يصل اليوم إلى أكثر من مليون مواطن مصرى يعملون فى المملكة العربية السعودية وحدها، وإلى ما يقرب من ربع مليون مصرى يعملون فى دولة الكويت، وحوالى مئة ألف مصرى يعملون فى دولة الإمارات العربية المتحدة، وبذا قد يصل عدد المصريين العاملين فى الخليج إلى اكثر من مليونى نسمة، وإذا أضفت إليهم أسرهم التى تلتحق بهم ستجد أنك أمام حالة يكون فيها ثلاثة ملايين نسمة من المصريين يعيشون فى الخليج. هذا الحجم من البشر هو أكبر من عدد سكان بعض الدول الصغيرة فى الخليج،
أما من حيث الجوانب الاستراتيجية البحتة، فيمكننا القول إن لمصر سواحل بحرية، قد تكون هى الأطول، مع المملكة العربية السعودية التى تعد الدولة الأهم والشقيقة الكبرى فى دول مجلس التعاون الخليجى، مصر كانت فى تاريخها الحديث تدرك دائما أهمية مسألة أمن الخليج بالنسبة إليها، وهذا ما دفع بها إلى التدخل فى شئون دول الخليج أكثر من مرة، تدخّلاً كان يصل إلى حد إرسال الجيش المصرى إلى خارج الحدود، بعض هذا التدخل كان حميداً ويصب فى مصلحة مصر والمنطقة عموما وبعض التدخلات لم تكن محمودة، التدخل الحميد حين قامت مصر بكبح جماح الرغبة العراقية الجارفة فى دمج الكويت بالعراق فى حالتى كل من عبدالكريم قاسم الذى كاد أن يدخل الكويت فى عام 1962 وتصدى له مصر فى حينها، وحالة صدام حسين حين تدخل الجيش المصرى مباشرة فى تحرير الكويت عام 1991 ضمن تحالف أوسع شمل الولايات المتحدة ومصر وسورية والسعودية وقوات من دول أخرى، أما التدخل المصرى غير الحميد فكان فى اليمن، كان ذلك تدخلا سيئا. على الجمهورية الجديدة التى تتشكل فى مصر اليوم بعد 30 يونيو ان تتعامل بجدية وصرامة مع فكرة أن أمن مصر هو جزء لا يتجزأ من أمن الخليج، وأن مصر قد أصبحت فعلياً دولة خليجية، التفاعلات القائمة، سواء من حيث حركة المصريين فى بلدان الخليج أو من خلال الدور الخليجى فى انقاذ مصر من الانهيار بعد غروب شمش الاخوان جميعها تصب فى التصور الذى أطرحه اليوم، والذى يحتاج منا إلى نقاش مستفيض كى يتبلور كمفهوم استراتيجى بعيدا عن الزخارف، مفهوم استراتيجى متكامل فى قضايا الأمن والمصالح التى تهم الشعوب والدول معا.