كتاب 11

08:31 صباحًا EET

هل يمكننا الحديث عن الثورات فنيا؟

هل يمكننا أن نتحدث عن «الربيع» أو الثورات التى اجتاحت العالم العربى بشكل فنى technical، بمعنى تشريح ما حدث بعيدا عن رغباتنا وتحيزاتنا، سواء كنا مع أو ضد تلك الثورات بموجاتها المختلفة؟

الهدف من السؤال هو النظرة بشكل إيجابى الى المستقبل من أجل بناء معمار سياسى جديد يتجنب سلبيات النظام الذى انهار منذ شرارة تونس حتى اليوم. فلا يمكن ان نبنى إلا إذا أدركنا الخلل الذى أدى إلى اندلاع الثورات أو انهيار المؤسسات بعيدا عن جدل المؤامرة أو جدل الثورة. فحتى لو كانت ثورة يناير فى مصر، وهنا اكتب كمصرى، هى مجرد مؤامرة كما يدعى البعض، فالأولى ان نفهم لماذا انهار النظام امام مؤامرة، وهل ما نبنيه اليوم قد ينهار لو جاءت مؤامرة اخري، وما أكثر المؤامرات؟

فى تصورى ان ما حدث فى يناير كان فى المقام الاول تآكلا فى معظم مؤسسات الدولة مما أدى الى تصدعها بسرعة، لذا فى الحالة المصرية لم تبق إلا مؤسسة واحدة قادرة على حماية البلاد وهى القوات المسلحة المصرية. ولو يتذكر البعض ان تآكل الشرعية لدى المؤسسات جعل المحافظين حتى فى المحافظات التى لم تجر بها اى اضطرابات يتركون مواقعهم ويغلقون أبواب مؤسساتهم ويهربون الى بيوتهم، طبعا الذى حدث فى الاسكندرية والقاهرة والسويس كان واضحا، ولكن لماذا انهارت المؤسسات فى قنا وسوهاج والبحر الأحمر وبعض محافظات الدلتا والحدود دون مواجهات تذكر؟

تآكل الشرعية فى وقت واحد وفى معظم المؤسسات يطرح أسئلة كثيرة عما حدث يجب تشريحها، حتى الذين كانوا يتحدثون عن الفلول وعن حزب وطنى حاكم لم يجدوا من الأدلة ما يبرر وجود هذا الحزب فمثلا اين كان ال 2 مليون عضو للحزب الوطنى يوم الانهيار مما يبرر احاديث البعض عن الفلول؟ كيف ذاب هذا الحزب تماماً وكأن سائلا حارقا قد تم رشه فأدى الى تآكله فى لحظة، ربما من المؤسسات التى بقيت بشكل معقول بعد الجيش هى مؤسسة القضاء رغم ان بداية التصدع ضربت فيها اولا وقبل الثورات.

كيف انهارت مؤسسات الأمن كاملة؟ وما هى العوامل التى أدت إلى هذا الانهيار السريع، ولماذا لم يدافع احد عن نظام الحكم أو عن الرئيس كما نرى الان فى سوريا ؟ هل لأنه لم تكن هناك طائفة موالية مثل سوريا ام ان الرئيس ومن معه لم تكن لديهم قاعدة شعبية تدافع عنهم أو تضحى بأنفسها من اجله؟ اين كان من يقولون بولائهم للرئيس مبارك اليوم أو يعلنون محبتهم له؟ الم تكن تلك المحبة موجودة يوم الانهيار ليدفع أحدهم فاتورة الولاء والمحبة، أم اننا فى مرحلة «المحبة رخيصة التكاليف» اليوم على عكس «المحبة غالية التكلفة» أيام الثورة؟ بالمحبة هنا أعنى الولاء الذى يجعل من هو جزء من النظام يموت دفاعا عن مصالحه. ببساطة هل ما حدث هو تآكل للشرعية والمؤسسات فى لحظة واحدة؟

بشكل عام وفى الحالة المصرية أو الليبية أو التونسية واليمنية نستطيع القول إن المؤسسات الوطنية لم تكن قادرة على حمل نظام حكم بعينه لمدة  تتجاوز ال 30 عاما؟ أى بعد ما يقرب من 30 عاما انتهت صلاحية هذه المؤسسات كما يتحول الأسمنت او الجبس إلى تراب بعد فترة فتنهار الأبنية على من فيها. السؤال إذن هل سنرى هذا الانهيار كل ثلاثين سنة مثلا أم اننا قادرون على بناء مؤسسات تستمر أكثر من ذلك؟

حتى هذه اللحظة لم أتحدث عن انهيار النظامين الاجتماعى والاقتصادى؟ ترى ما هى العوامل الاقتصادية التى أدت إلى الانهيار؟

من يذكر منكم المؤشرات الاقتصادية التى كان يتحدث عنها النظام الأسبق من حيث النمو، ومن يذكر مقالات أحمد عز التى نشرت فى هذه الصحيفة ( الاهرام) قبل الثورة، هذه الأرقام لا تبرر خروج الناس الى الشارع.

إما أن الأرقام كانت زائفة؟ أو أن ثمة فجوة بين هذا النمو المزعوم وقدرته على الحفاظ على بقاء النظام؟ بطريقة أخرى ما هو معدل النمو القادر على بقاء نظام ما فى تلك البقعة من العالم والتى اذا ما نقصت يخرج الناس إلى الشوارع؟ هل هناك رقم بعينه أم مجموعة أرقام تقريبية تعد مؤشرات تحذيرية للنظام وتنذر بانهياره؟

لماذا ايضا بقى النظام الاجتماعى بعد كل هذه الثورات ولم  يتغير؟ هل كان النظامان ـ السياسى والاجتماعى مختلفين للدرجة التى يكون فيها انهيار احدهما ليس انهيارا للآخر، اى ان النظام ليس نبتا طبيعيا لمجتمعه؟ فلو كان السياسى انعكاسا للنظام الاجتماعى لحدث تغير فيهما معا.

هل يكفى للبناء الجديد ثورة على الثورة؟ أم أن فكرة الثورة والثورة المضادة وكل المفاهيم المتداولة تؤدى إلى السقوط اكثر فى الحفرة ومزيد من تآكل المؤسسات، وتجعلها غير قادرة على تحمل أعباء النظام الجديد؟ 

فى تصورى لا يمكن بناء نظام جديد يتجاوز أسباب انهيار الأنظمة السابقة إلا بدراسة تشريحية وموضوعية لأسباب الانهيار الذى حدث.

البعض منا ينظر إلى المشهد بشخصنة للنظام السياسى بمعنى ان تغيير مبارك أو مرسى وإزاحة الأشخاص أو حتى عودة بعضهم فيه الخلاص من أسباب انهيار القديم.

التعليقات