مصر الكبرى
دستور الاخوان : معمار عشوائي
قبل كتابة أي دستور لابد من التوافق على ما يسمى بالمفاهيم الحاكمة ، والمفاهيم الحاكمة مثل شبكة الأعصاب في جسم الإنسان أو العمود الفقري أو شبكة الأوعية الدموية التي تتحرك من القلب واليه. فلنقل ان احد المفاهيم الحاكمة للدستور بعد الثورة هو مفهوم الحرية كنقيض لحالة الاستعباد والقهر والخوف التي كنا نعيشها قبل الثورة. إذا قبلنا بأن الحرية هي أحد المفاهيم الحاكمة للدستور، فلابد للحرية كمبدأ أن تكون هي الدم الذي يجري في شرايين الدستور من أوله الى آخره، وإذا ما تجلط هذا الدم في منطقة ( أي ان الحرية انتكست في مادة من الدستور رغم وجودها في مواد أخرى ) فإنه قد يؤدي إلى جلطة تقتل الجسد كله
. إذن من غير الممكن أن نقول بأن الحرية موجودة في مادة الإعلام المكتوب وان الصحف تنشأ بمجرد إخطار وفي ذات المادة نقول ان الفضائيات والإعلام الرقمي يحتاج إلى تصريح وقوانين مقيدة. هذه جلطة تحتاج إلى كميات كبيرة من المميعات من الأسبرين وأدوية الكولوسترول. لايمكن لمفهوم الحرية ان يكون موجودا في الإعلام المكتوب وليس موجودا في الإعلام الرقمي، لايمكن ان تكون الحرية مطلقة في بند حرية المعتقد في الدستور، وفي الوقت ذاته يقر الدستور بدور علماء الأزهر في تفسير النصوص وعلى فقه أهل السنة والجماعة، فأي مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة سيكون هو المذهب المرجع؟ هل هو المذهب المالكي أم الحنفي أم الشافعي أم الحنبلي بتنويعاتها؟ إن أي هزة في أعصاب هذا الجسد تصيبه كله بالشلل.
كيف لشبكة الأعصاب هذه ان تعمل إذا كانت الحرية هي المفهوم الحاكم ؟ الحرية كل كامل إذا نقصت في حقوق المرأة أو حقوق الطفل، فإن هذا يصيب الدستور كله أو الجسد كله بالشلل.
هذه مجرد مقدمة للحرية كمفهوم حاكم. اما إذا أضفنا مفاهيم أخرى حاكمة مثل العدل و الكرامة الإنسانية فلابد للعدل وللكرامة الانسانية ان يسريا في جسد الدستور كله.
إذا ما قرأت الدستور في نفس واحد متصورا ان صورة الجسد بشرايينه وقلبه وجهازه العصبي وعموده الفقري تشكل الكائن الحي المسمى بالدستور المصري، فأنت بكل تأكيد أمام كائن إما مشوه أو مريض. ولو أخذنا صورة أخرى وتصورنا أن الدستور هو معمار أو بناية، تكون المفاهيم الحاكمة هي ذلك المخطط الهندسي الذي يصمم على أساسه البناء كي يحافظ البنيان على تماسكه كلما زاد عدد الأدوار أو أراد صاحب المبنى (وهو الشعب هنا ) ان يضيف للبيت تعديلات لاحقا. من أول قراءة كاملة تكتشف أن هذا الدستور بدون مخطط هندسي وأنه دستور سوف ينهار مع أول تعديل لأن البناء الدستوري كما أراه من قضايا الأسرة والأزهر والجيش ومؤسسات الحكم والمرأة.. إلى آخر هذه القضايا، كلها أدوار وشقق على ما يبدو تمت إضافتها بناء على الحاجة و" ومطنطرة " بعضها فوق بعض قد تنهار مع أول إضافة أدوار أخرى الي المبنى. فكيف مثلا للدستور أن يدعي بأن المحكمة الدستورية (وهذا هو الحال في كل بلدان العالم ) هي المنوط بها تفسير الدستور في المادة 175 ثم يقول الدستور نفسه في المادة الرابعة بأن الأزهر وعلماءه جهة أخرى لتفسير مدى مطابقة الدستور للشريعة الاسلامية حسب رؤية أهل السنة والجماعة. وإذا ما انتبهنا إلى أن المادة الثانية من الدستور تقول ان مبادئ الشريعة الإسلامية هي المرجعية الرئيسية للقوانين، إذن تكون هيئة كبار علماء الأزهر هي هيئة موازية أو حتى بديلة عن المحكمة الدستورية! مثل هذا كمثل رجل أراد ان يبني عمارة تقليدية من البيئة مستخدما الطوب اللبن ولنقل (الأزهر )، ثم في منتصف البناء قرر استخدام الحديد المسلح والإسمنت ( المحكمة الدستورية) هذه وصفة انهيار للمعمار الدستوري برمته. وللحديث صله