تحقيقات
مرور سبعة عقود على تأسيس الجامعة العربية
بعد مرور سبعة عقود من تأسيس الجامعة العربية, ومن مصر ارض الكنانة تفتح الأمة العربية صفحة جديدة من تاريخها لتقول للعالم وبصوت واحد أننا قادرون بوحدة العرب على مواجهة التحديات سواء اكانت سياسية او أمنية او اقتصادية او اجتماعية
.
تاريخ وحدة العرب يعود بنا الى اكثر من سبعين عاما, اذ انه وبالرغم من أن حلم الوحدة العربية ظل قائمة عقود طويلة, إلا أن فكرة إقامة تنظيم عربي واحد لم تتبلور أو تتضح معالمه إلا خلال الحرب العالمية الثانية , بسبب عدد من المتغيرات عربية وإقليمية ودولية, حيث صاحب اندلاع الحرب العالمية نمو للحركات الوطنية, ونشاط للمقاومة ضد الوجود الاستعماري الغربي, الأمر الذي أدى نهاية إلى استقلال عدد متزايد من الدول العربية , ومن ثم ظهرت الحاجة إلى إقامة نوع من التنظيم السياسي يجمع الإرادة العربية, وهو الأمر الذي لعبت فيه مصر دورا فاعلا.
أخذت مصر زمام المبادرة , كما يتضح من البيان الذي أدلت به حكومة مصطفى النحاس باشا في مجلس الشيوخ في 30 مارس1943 عن سياستها تجاه الوحدة العربية , ودعا النحاس حكومته إلى أن “تبدأ باستطلاع رأى الحكومات العربية – كل على حده – فيما يرمى إليه من آمال, ثم تبذل الجهود للتوفيق بين آرائها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا ثم تدعوهم بعد ذلك إلى مصر معا فى اجتماع ودي لهذا الغرض; حتى يبدأ السعي للوحدة العربية بجبهة متحدة بالفعل, فإذا تم التفاهم أو كاد وجب أن يعقد فى مصر مؤتمر لإكمل بحث الموضوع, واتخاذ ما يراه من القرارات محققا للأغراض التى تنشدها الأمة العربية”.
ودعا النحاس في مايو من عام 1942 كلا من: رئيس الوزراء السوري (جميل مردم) , ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية (بشارة الخوري) للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة “إقامة جامعة عربية لتوثيق العرى بين البلدان العربية المنضمة لها” , ثم عاد ليؤكد استعداد الحكومة المصرية لاستطلاع آراء الحكومات العربية في موضوع الوحدة وعقد مؤتمر لمناقشته , وهى الفكرة التي أثنى عليها حاكم الأردن في حينه الأمير عبد الله.
وعلى أثر ذلك بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر من جانب وممثلي كل من العراق, وسوريا, ولبنان, والمملكة العربية السعودية, والأردن, واليمن من جانب آخر, وهى المشاورات التي أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسيين بخصوص موضوع الوحدة الاتجاه الأول يدعو إلى ما يمكن وصفه بالوحدة الإقليمية الفرعية أو الجمهورية وقوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب.
والاتجاه الثاني يدعو إلى نوع أعم وأشمل من الوحدة يظلل عموم الدول العربية المستقلة وإن تضمن هذا الاتجاه بدوره رأيين فرعيين أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية أو كونفدرالية بين الدول المعنية والآخر يطالب بصيغة وسط تحقق التعاون والتنسيق في سائر المجالات وتحافظ في الوقت نفسه على استقلال الدول وسيادتها.
وقد اتخذت المشاورات التي تمت بين مصر والدول العربية انذاك والتي استمرت من 31 يوليو 1943م حتى فبراير 1944م , طابع المشاورات الاستطلاعية , قام`ت فيها مصر بالتعرف علي وجهة نظر كل منها في مسألة الوحدة العربية, وذلك دون أن يتم البت في شيء في هذه المرحلة , وبعد انتهاء المشاورات لم يبق سوى انعقاد اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي , وترأست مصر اجتماعاتها , وفي الجلسة الثانية فى 28 سبتمبر1944م, عرض النحاس باشا المسائل المتفق عليها من جانب الدول العربية , وهي الاشتراك في وجوه التعاون الاقتصادي ويشمل العملة والمواصلات والجمارك والتبادل التجاري بوجه عام , وكذلك التعاون الثقافي والاجتماعي والتعليم وما يتصل به, وقد تشكلت لجنة فرعية لمعالجة كل هذه المشاكل , كما تشكلت لجنة للتنسيق والتحرير لمراقبة عمل تلك اللجان وترأسها النحاس بنفسه, وإذا كان الاتفاق بين الدول العربية قد تم بسرعة حول التعاون في المجالات غير السياسية فإن الأمر كان مختلفا عندما تناولت اللجنة التعاون في المجال السياسي وإدارته, وبعد المناقشات عبرت مصر , رسميا ولأول مرة عن وجهة نظرها في صورة متكاملة للتعاون بين الدول العربية, حيث عرض النحاس باشا الصيغة التي وضعها , وأهم ما ورد فيها “تؤلف الجامعة العربية من الدول العربية المستقلة .. ويكون لهذه الجامعة مجلسا يسمي مجلس جامعة الدول العربية , تمثل فيه الدول المشتركة علي قدم المساواة, وأن تكون قراراته ملزمة لمن يقبلها , فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولة عربية وأخري, ففي هذه الأحوال تكون قرارات مجلس الجامعة نافذة وملزمة”.
لقد كانت مصر تأمل في أن يكون للجامعة المنشود تأسيسها دورا فعالا كمؤسسة إقليمية, وزيادة في تأكيد الموقف المصري المتمسك بكلمة “جامعة” حيث قال النحاس باشا: أن الشئ المهم هو أن كلمة “جامعة” تعبر عن شئ قائم أما “الحلف” فيعبر عن شئ مكتسب ومتفق علياه وعبارة “الجامعة العربية” أقرب العبارات إلي التعبير عنها.
وعندما اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) في الفترة 25 سبتمبر إلى 7 أكتوبر من العام 1944, رجحت الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها.
وفي الجلسة الثامنة للجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام في 7 أكتوبر 1944م وافقت اللجنة علي بروتوكول الإسكندرية , ووقع على هذا البروتوكول رؤساء الوفود المشاركة في اللجنة التحضيرية وذلك في 7 أكتوبر 1944 – باستثناء السعودية واليمن اللتين وقعتاه في 3 يناير 1945 و5 فبراير 1945 على التوالي – وبعد ما يربو على ثلاثة أشهر اجتمعت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية في يوم 14 فبراير عام 1945م بمبنى وزارة الخارجية بالقاهرة لوضع مشروع ميثاق الجامعة , وكانت قرارات اللجنة خمسة: أولها خاص بقيام جامعة الدول العربية ولها مجلس يسمى مجلس جامعة الدول العربية تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة وقرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها ولا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة منها , وثانيها متعلق بالتعاون في الشئوون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها , والثالث عن تدعيم هذه الروابط في المستقبل , والرابع قرار خاص باحترام استقلال لبنان وسيادته بحدوده القائمة , والأخير خاص بفلسطين وتضمن مطالبة بريطانيا بوقف الهجرة اليهودية والمحافظة على الأراضي العربية والعمل على تحقيق آمال الفلسطينيين المشروعة وحقوقهم العادلة.
ونص البروتوكول في نهايته على أن تشكل فورا لجنة فرعية سياسية من أعضاء اللجنة التحضيرية المذكورة للقيام بإعداد مشروع لنظام مجلس الجامعة, ولبحث المسائل السياسية التي يمكن إبرام اتفاقيات فيها بين الدول العربية.
ولقد مثل هذه البروتوكول الوثيقة الرئيسية التي وضع على أساسها ميثاق جامعة الدول العربية. وشارك في إعداده – أي الميثاق – كل من اللجنة السياسية الفرعية التي أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلها, ومندوبي الدول العربية الموقعين على بروتوكول الإسكندرية , مضافا إليهم مندوب عن كل من السعودية واليمن وحضر مندوب الأحزاب الفلسطينية كمراقب. وبعد اكتمال مشروع الميثاق كنتاج لستة عشر اجتماعا عقدتها الأطراف المذكورة بمقر وزارة الخارجية المصرية في الفترة بين 17 فبراير و 3 مارس 1945 أقر الميثاق بقصر الزعفران بالقاهرة في 19 مارس 1945, وذلك بعد إدخال بعض التنقيحات عليه.
واليوم تتخذ مصر أيضا زمام المبادرة الى جانب الأشقاء العرب ليفتح الباب أمام تحقيق أحلام طالما أكدت عليها ارض العروبة مصر والأشقاء العرب لتعزيز وحدة الصف العربى لتكون الأمة قوية بوحدتها وامكانياتها ومن بين الأقوى فى العالم.. وبمبادرة أيضا من مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى بات تشكيل القوة العربية المشتركة حقيقة تتبلور خلال القمة بعد أن رفع وزراء الخارجية العرب امس الخميس قرارا بشانها الى
القادة والزعماء تمهيدا لإقراره.
مصر والجامعة العربية الوحدة العربية المنشودة ومبادرات فاعلة من عهد النحاس باشا الى عصر الرئيس السيسى تنقل الأمة العربية الى مرحلة جديدة من العمل العربى المشترك.