مصر الكبرى

09:41 صباحًا EET

اشكالية الاعلام ‘المدان’ في زمن السلفيين والاخوان!

 
مسلسل معارك الإسلام السياسي؛ بتنظيماته وجماعاته ودوائره الطائفية والمذهبية والحزبية ما زالت مستمرة، وهذا المسلسل يحركه ‘مكتب الإرشاد’ وأحزاب ‘الحرية والعدالة’ و’النور’ وما على شاكلتهم، ويسير في ثلاثة اتجاهات نحو القضاء، والقوات المسلحة، وأجهزة الصحافة والإعلام. وكما عملت أطراف عدة على ‘شيطنة’ الثورة، فها هي تنظيمات وجماعات محسوبة على الإسلام السياسي تتولى ‘شيطنة’ الكتاب والصحافيين والإعلاميين.

وأعطى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ محمد بديع إشارة بدء الحملة على الصحافة والإعلام حين وصف الكتاب والصحافيين والإعلاميين بـ’سحرة فرعون’.. وعلى سبيل المثال ساوت الحملة بين توفيق عكاشة صاحب قناة ‘الفراعين’ وترهاتها، وبين ريم ماجد الثورية والمثقفة الجسورة؛ صاحبة برنامج ‘بلدنا بالمصري’، وإن كنت أفضل أن يكون اسمه ‘بلدنا بالعربي’ فتتسع دائرة مشاهدته خارج مصر، ويكون تعبيرا عن احترام اللغة العربية كلغة وطنية، بعيدا عن شبهة الاعتماد على ‘العامية’ التي يحاول الانعزاليون نقلها من طور اللهجة إلى مستوى اللغة البديلة، خدمة لمخطط طمس الهوية الذي يجري على قدم وساق، وهذه خطيئة يمارسها كثيرون بوعي وبدون وعي؛ خاصة بعد ثورة 25 يناير، وعلينا تداركها.وبذلك أسقطت ‘الشيطنة’ الفروق بين إعلام الثورة وآخر ينطق بلسان الثورة المضادة. ووُضِع الإعلام الوطني والثوري مع الإعلام التطبيعي الانعزالي في سلة واحدة، ومن يتابع يجد تركيز قوى ‘الشيطنة’ على وصف الثوار بالبلطجية، ونعت القوى الوطنية بالفلول. وهي لغة ومفردات لا علاقة لها بالحقائق القائمة والواضحة للعيان!.ونواصل متابعة المعركة الضارية ضد الصحافة والإعلام، استكمالا لتناولنا المعركة الدائرة ضد القضاء وضد القوات المسلحة في المقالين السابقين. وعلينا أن نلحظ أن القوى الغالبة بين ‘الإخوان المسلمين’ وأحزاب السلفيين تبذل ما في وسعها لتكميم الأفواه وكسر الأقلام، وهي سياسة سبق وأن أودت بحسني مبارك وحكمه إلى التهلكة. وترتب على هذه السياسة وصول العلاقة بين الإسلام السياسي وبين أجهزة الصحافة والإعلام إلى أسوأ حالاتها، وانتهت إلى طريق مسدود.ومن يتذكر فترات الغليان قبيل الثورة يقر بفدائية كتاب وصحافيين وإعلاميين كان لهم فضل فتح باب واسع للثورة، وهم أنفسهم من الذين دافعوا عن حق تنظيمات وجماعات الإسلام السياسي ـ جماعة الإخوان المسلمين تحديدا ـ في العمل المعلن والمشروع، وتمكنوا من انتزاع حق التعبير والإضراب والاحتجاج، وكان من بينهم من دعا وشارك وقاد حركات تمرد وعصيان في أقسى الظروف، ونموذجها حركة ‘كفاية’، وقد تصور كثيرون وقتها أنها صرخات في البرية بلا صدى ولا طائل. ومثَّل سلم نقابة الصحافيين في عصر النقيب الوطني البارز جلال عارف رئة تنفست منها القوى الوطنية نسيم الانعتاق.وإدانة الإخوان والسلفيين لأجهزة الصحافة والإعلام بشكل مطلق؛ جاء بهدف أن تكون مشجبا يغطي على الفشل وتُعلق عليه الأخطاء والخطايا التي لا تتوقف، واعتماد ‘الشيطنة’ على ‘غلمان’ الكتائب الألكترونية الإسلامية، زاد من النفور الشديد فخسر الإسلام السياسي كثيرا من رصيده الذي أوصله إلى البرلمان ورئاسة الجمهورية. ووضع أجهزة الصحافة والإعلام في قفص الإدانة، وإعلان الحرب ‘المقدسة’ ضدها لا يفرق بين صالح وطالح، ولا بين ثائر وبلطجي، ولا بين نقد وتجريح، ومن لا يقبل من قادة وأعضاء التنظيمات والجماعات المعنية خوض هذه المعارك بهذه الطريقة عليه أن يترك ‘والباب يفوت جمل’ كما يقول المثل الشعبي. والزاد الذي تتغذى به معارك من هذا النوع هو استبداد السلطة، وغرور القوة، وكثرة العدد، ووفرة والمال، واستغلال الدين وتوظيفه في غير مقاصده. ويبدو أن القصور الذاتي على التواصل الإنساني مع نهج التعامل على قاعدة القطيع، وراء الإنكار المتكرر لاراء وأخطاء تمارس، وبدلا من الاعتراف بها وتصحيحها، يتم تحميل الخصوم مسؤوليتها. واعتبار المخالف في الرأي كاره للدين وعدو للإسلام؛ حتى لو كان شيخا أزهريا أو عبدا ناسكا.والقاعدة الشرعية تقول بأن الإباحة والفهم والرحمة والتسامح هي الأصل، والقيود والضوابط تقوم على هذه الروح كي لا يتحول المجتمع إلى غابة لوحوش كاسرة؛ تعتمد الأذى البدني والمعنوي والنفسي، كالذي حدث في ‘جمعة كشف الحساب’ (19/ 10/ 12)؛ للترويع وإعادة الخوف إلى النفوس من جديد. وهيأ الفهم التقليدي والمحدود بالطبيعة البشرية إلى أن الطريق إلى المكاسب الاقتصادية، والمناصب السياسية، والسطوة المالية؛ هو استغلال الفقراء والمعدمين، ووجدوا ضالتهم في ‘الرشاوى الانتخابية’ عوضا عن البرامج والرؤى الغائبة للحلول الناجعة، التي تقاوم مسببات الفقر، وتواجه أزمة البطالة، وتحد من استمرار الفساد، وتنهي التبعية المتجذرة والراسخة في أروقة الحكم والسياسة والمال، وذلك الغياب أعاد الاستقرار والأمان إلى منظومة الاستبداد والفساد والتبعية، أملا في تحالف مع رموزها في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، وفي البقاء في الحكم لفترات أطول.والمعركة الشرسة ضد أجهزة الإعلام والصحافة جزء من معركة أكبر؛ تمارس ضد الوعي العام بضرورة استرداد الثورة، وسلاحها تزييف الوعي، وطمس الذاكرة الوطنية، وتشويه التراث التاريخي، بما فيه التراث العربي والإسلامي والإنساني، واتسعت بذلك الفجوة بين تلك التنظيمات والجماعات وبين الثوار. وهدف ‘شيطنة’ الصحافيين والكتاب والإعلاميين هو إسقاط سلطة معنوية كبرى هي سلطة الرأي العام المعروفة بـ’السلطة الرابعة’ التي ما زالت كابحا لجماح العنف المتأصل لدى ‘القطبيين’ ومن على شاكلتهم. وهذه المعارك لا تندلع لسوء الفهم بل تشتعل بسوء النية. والدليل أن من يشعلونها يعرفون أن أجهزة الصحافة والإعلام متعددة في كل الدنيا، وليست ذات اتجاه واحد، وتتوزع بين مُوال ومؤيد وموضوعي، وبين انتهازي وموتور ومنحاز، ولا يمكن التعامل معها على قاعدة الإدانة المطلقة والدائمة، ودرجات الاختلاف والتناقض كبيرة بينها سواء كانت أجهزة خاصة أو حكومية. ولها دورها في مصر كمجتمع يتطلع للديمقراطية؛ رغم انتكاس ثورته التي بهرت العالم ثم ذهبت مع الريح. هذا المجتمع يعيش حقبة معقدة؛ اتسعت فيها الفجوة بين الحكام والمحكومين، واستطاع الحكام وأد الثورة ويسعى المحكومون إلى لم أشلائها، ومنهم من هو على يقين أن الثورة ستبعث من جديد، وما زالوا يرونها ملهمة، لكن هذه الروح ترتطم بأشكال ديمقراطية هشة ومتهافتة؛ دائمة الهرولة وراء هذا الشخص أو ذاك، وزاد الأمر تعقيدا تفاقم مناورات وصراعات ‘التمكين’ والاستحواذ من الحكام والتهافت والبحث عن فتات من جانب أحزاب وتنظيمات المحكومين! إلى أن تم اختزل الثورة في دستور وجدل لا ينتهي خارج الأزمنة والأمكنة؛ في ‘الجمعية التأسيسية لوضع الدستور’ لا علاقة له بالحياة ومشاكلها وتحدياتها أصلا، وتموت الثورة و’يحيا’ الدستور!!.ماذا تفعل الصحافة والإعلام لحاكم يضرب بحكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب عرض الحائط؟ هل تتجاهله، ولا تحرك ساكنا والرئيس يتغول بسلطته التنفيذية والتشريعية ويعزل النائب العام’ غير القابل للعزل بنص الدستور والقانون؟ وهل إذا نشرت هذه الأجهزة عن امبراطوريات رجال أعمال الإخوان المالية والتجارية والاحتكارية، ورموزها؛ خيرت الشاطر وحسن مالك وصفوان ثابت وسيد رجب السويركي، وعن دور حسن مالك الخطير في رئاسة الجمهورية؛ حتى احتل مكانة ‘الرئيس الموازي’، كما كان عليه حال جمال مبارك حتى أصبح الرئيس الفعلي للدولة؟ هل إذا لفتت أجهزة الصحافة والإعلام النظر إلى ما تبثه وسائط التواصل الألكترونية سواء ما يكتبه أبناء الرئيس وشتائمهم لمخالفي والدهم، أو عما تتداوله عن سلوكيات منسوبة لمعاذ ابن حسن مالك تقتضي التحري والتحقق من صحة ما ينشر ويبث من عدمه؟ وهل ذلك يستوجب كل ذلك الهجوم الضاري على الكتاب والصحافيين والإعلاميين؟ وماذا عن ذلك الموقف الوطني المشين وعبرت عنه رسالة الرئيس محمد مرسي إلى شيمون بيريز الرئيس الصهيوني؟ وماذا عن ذلك الخروج عن اللياقة الوطنية والأصول الدبلوماسية؟! أليس ذلك دليلا على استمرار مصر في أسر التبعية المفرطة؟ وبالمناسبة ماذا عن اتفاقية ‘كامب ديفيد’ و’معاهدة السلام’، وتمسك مرسي بهما، فلا تمس ولا تُعدل ولا نقول تلغى؛ كأضعف الإيمان؟، أليس القبول بها تسليما باستمرار فقدان السيادة الوطنية على جزء عزيز من الأرض في سيناء؟ وماذا عن القنبلة التي انفجرت في وجه الرئيس بعد أن طلب من صهره أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى إقالة رئيس تحرير صحيفة ‘الجمهورية’ ووكيل نقابة الصحافيين جمال عبدالرحيم، ونفذه على الفور دون تحقيق أو صدور قرار بالإدانة من جهة معنية، ولو كان هناك انشغال بالبناء دون المعارك لاختلف الأمر. وجاءت الإقالة في سياق الضغط باستغلال أوضاع الصحف القومية (الحكومية) المالية السيئة لإخراس صحافييها ومنعهم من الكتابة، وأكد عبد الرحيم صحة خبر ‘الجمهورية’ بالتحقيق مع المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، ووصفه بأنه خبر صحيح مائة في المئة، وبعد ذلك نشرته جريدة ‘الوطن’، مؤكدة بذلك انفراد ‘الجمهورية’ بالخبر، الذي كان سببا في الإقالة!.ويعزو عبد الرحيم قرار صهر الرئيس مرسي رئيس مجلس الشورى بإقالته إلى حلقات أعدتها ‘الجمهورية’ للنشر بعنوان ‘الخارجون من عباءة الاخوان’ وكانت 15 حلقة متصلة مع كل من كمال الهلباوي الناطق السابق باسم الإخوان في الغرب، ومحمد حبيب نائب المرشد العام السابق، وثروت الـخرباوي ومختار نوح القياديين السابقين بالجماعة.دور الصحافة والإعلام هو أن تكون مرآة عاكسة لما يجري في الدولة والمجتمع، وبدل التأديب ‘والعين الحمرا’ هو اجتثاث الفساد الإداري والمالي المتفشي فيها وأسبابه، ووقف إهدار المال في ترقية وتعيين كتبة التقارير الأمنية والحزبية والفلول والأقارب والأصهار والمحاسيب في مواقع المسؤولية الصحافية والإعلامية، وإقالة رئيس تحرير ‘الجمهورية’ تم دون مبرر قانوني يعطي رئيس مجلس الشورى حق الإقدام على تلك الخطوة.كل هذا يعني أنها معارك خاسرة؛ ومشكلتها أنها مستنفدة للطاقة، ومُضَيعة للوقت ومؤثرة سلبا على مستقبل الحكم، الذي ما زال يدلل رجال المال والأعمال ويهمل باقي الشعب، وما زال على عهد سلفه، متفننا في إذلال الطبقة الوسطى والفلاحين والعمال، ومنهم الكتاب والصحافيون والإعلاميون، وهم يمثلون أغلبية كاسحة أوْلى بالرعاية.. إنها ثقافة الإقصاء والإذلال و’الشحاتة’ والتسول، ويزيدها تعقيدا شروط صندوق النقد؛ وما أدراك ما صندوق النقد أيها القارئ الكريم!
 

التعليقات