كتاب 11

09:19 صباحًا EET

الأيدي الخليجية المكتوفة في اليمن

انتقى وزراء الداخلية لدول مجلس التعاون عبارة دقيقة، معلنين ومحذرين بأنهم «لن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه التدخلات الخارجية في اليمن». وقبلها أكدوا أن أمن الجمهورية اليمنية هو من أمن المجلس، مما يعني أن دائرة الأزمة أصبحت أوسع من ذي قبل، عندما ترك حل الخلافات للقيادات المحلية ومبعوث الأمم المتحدة.

والحقيقة أن الأيدي الخليجية التي تريد مساعدة اليمن مكتوفة، لأنها لا تملك ولا دبابة واحدة على الأرض، وليست لها قوات أو ميليشيات على الأرض، ولا تستطيع أن تشن حربا على تنظيم الحوثيين مماثلة للحرب على تنظيم «داعش» في العراق وسوريا. الوضع الخليجي صعب على الأرض اليمنية، لأنه على مدى عقود كان يقوم على الدعمين السياسي والاقتصادي فقط. والذي يؤكد ذلك أن كل الاتفاقات التي وقعت خلال الأسابيع الماضية لم يحترم المتمردون سطرا واحدا منها أو من الملاحق الأمنية، التي عدلت لإرضائهم، وفي كل مرة يدوسونها بأقدامهم.

والسؤال ليس حول عدم شرعية تنظيم أنصار الله، الحوثي، في احتلاله عاصمة اليمن، فهذا أمر مفروغ منه، فهو أسقط نظاما يستمد شرعيته من قرارات مجلس الأمن والجامعة العربية، وجاء بموافقة الأطراف اليمنية المختلفة. السؤال هو: كيف يمكن ردع الميليشيات المتمردة، وترميم الشرعية؟ هل ينوي مجلس الأمن الذي شرعن النظام الجديد حمايته، كما يفعل بحمايته النظام العراقي من هجمات تنظيم «داعش»؟ ما الذي بوسع دول الخليج أن تفعله لحماية مبادرتها، ورعاية النظام اليمني الجديد؟ وهل الإشارة إلى الأيدي المكتوفة فيها نية لتدخل عسكري ما؟

ما فعله الخليجيون في اليمن منذ اضطرابات عام 2011، كان نشاطا إيجابيا. فقد اختارت الدول الخليجية الاستماع إلى المطالب الشعبية، وأقنعت علي عبد الله صالح بالتنحي عن الرئاسة، ونجحت في منع الفوضى والتصفيات بين الأطراف المختلفة، ودعمت مشروع حكومة انتقالية مؤقتة إلى حين يختار الشعب اليمني من يريد. كلها كانت أفضل ما يمكن إنتاجه في تلك الأزمة الخطيرة، رغم سوء اختيار الرئيس المؤقت، ولهذا كان اليمن وتونس أفضل دول الربيع العربي التي عصفت بها الثورات. خرج اليمنيون منها مطمئنين منتصرين، بدعم سياسي من الأمم المتحدة، ومشروع إنقاذ اقتصادي دولي كبير.

الآن، هذا البناء الإيجابي كله ينهار بسبب تجرؤ المتمردين الحوثيين على مهاجمة النظام الجديد، ونجاح رجالات الرئيس المعزول في تعطيل الجيش والأمن، وترك العاصمة تحتل وتنهب دون طلقة رصاصة واحدة تدافع عنها. وعليه نوجه السؤال إلى الدول الخليجية التي تدرك أن استهداف اليمن هو استهداف لها، ما الذي بمقدورها فعله؟ هل سترسل قوات عسكرية لمواجهة الحوثيين؟ هل هي مستعدة لمواجهة أوسع، لو أقدمت إيران على دعم حلفائها الحوثيين بقوات كما فعلت في العراق سوريا؟

لا أتصور أن التدخل العسكري المباشر هو الحل المطروح، كما حدث في الحالة الكويتية بعد غزو صدام عام 1990، نظرا لعدم فعاليته، في دولة شبه منهارة وخطرة، وتعتبر الملجأ الثاني لتنظيم القاعدة بعد سوريا. هناك خيارات محدودة، أبرزها الحل السياسي، الذي رغم فشله حتى الآن يبقى الأفضل في جمع كلمة القوى اليمنية المختلفة، بما فيها الجنوبية، للتوحد ضد الحوثيين و«القاعدة»، وتبني مشروع سياسي يقصي المتمردين ومواليهم، ويعاقبهم اقتصاديا. والحل الثاني والمكمل له دعم الجيش، بإعادة هيكلته، وتسليحه، وتمكينه من استعادة المدن من براثن الحوثيين الذين يركضون مستعجلين نحو مخازن السلاح، ومصادر الأموال، والطاقة، للسيطرة على المدن الرئيسة، وإدارة الدولة من الخلف، بوضع دمى في الواجهة تدعي تمثيل الشعب اليمني.

الخليجيون أمامهم في اليمن تحديات غير مألوفة؛ حرب لن تكون سهلة، وخصوم بعضهم لم يعلن عن اسمه. إن انتصروا في اليمن فإن ذلك سيمنحهم الاحترام في المنطقة المضطربة، وإن فشلوا فإن تداعيات الفشل ستكون كبيرة.

التعليقات