كتاب 11

02:08 مساءً EET

الخط الوطني السعودي

احتفل السعوديون منذ بضعة أيام بمناسبة عزيزة ومهمة وغالية عليهم وهي اليوم الوطني، الذي يأتي هذه المرة وسط ظروف سياسية تحيط بالبلاد من كل النواحي. مناطق محيطة بالبلاد تعاني الأمرين نتاج الصراعات المذهبية والطائفية، ودخول أرتال من المسلحين المهووسين والمرسلين من أطراف مجهولة ومريبة، مدججين بالمال والعتاد والسلاح، للقتال باسم الدين والطائفة والمذهب. ولم يعد سرا عدد السعوديين الذين غرر بهم وجندوا للقتال ضمن القوى المختلفة في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وحالة «التغرير بهم» هذه لم تعد حالة استثنائية، بل أصبحت ظاهرة عامة ومتكررة، وجغرافيا لها انتشار هائل ومقلق.

السعوديون تركوا لفترات طويلة أصوات التطرف والتشدد تسيطر على الساحة العامة، فتنشر السموم وسط الشباب في المناهج وعلى المنابر لسنوات طويلة، كل ذلك على حساب الخطاب الوسطي السمح، وأيضا على حساب الخطاب الوطني. لسنوات طويلة كان مجرد الحديث عن فكرة المواطنة والوطنية في السعودية يجابه بأرتال من العتاة والمتطرفين ينعتون فيه كل طارح لذلك الموضوع بالشرك والزندقة والبدعة. قاموا بتحريم تحية العلم وارتداء القبة العسكرية والسلام الوطني والعيد الوطني، وبالتدريج أصبح الانتماء للبلد والاعتزاز به وبمنجزاته مسألة «فيها شك عقائدي»، من وجهة نظر هؤلاء المتطرفين. وطبعا متى دخل «الشك العقائدي» في الموضوع تتم برمجة الشباب فورا على «ترك ما يريبك إلى ما لا يريبك»، متناسين أن هناك مشايخ عظماء أجلاء في كل أنحاء العالم الإسلامي من دون استثناء، أقروا وأفتوا بجواز الاحتفاء بالأوطان والاعتزاز بها، والاحتفال بالمناسبات الوطنية الخاصة بها.

آن الأوان أن نطلق العنان للخط الوطني في البلاد، أن نسمح للمشايخ «الوطنيين» من أمثال عيسى الغيث، وعبد الله فدعق، وعبد اللطيف آل الشيخ، وغيرهم، بأن تكون لهم مساحة أكبر للحديث عن القواعد الشرعية لمحبة الأوطان وحمايتها. آن الأوان لتبني وجود حقيقي وزخم من رموز البلاد في مجالات الفن والرياضة والأعمال والعلوم الأكاديمية، وإعطائهم المنابر العامة والمفتوحة للحديث عن الذي تم إنجازه في البلاد، وأهمية الحفاظ عليه بكل الوسائل، وإبراز الجوانب الإيجابية المهمة، التي لم يعد يُسمح بذكرها وسط الضجيج الحاصل على ساحات الإعلام الاجتماعي الموتور، والمليء بالأكاذيب والإشاعات والتضليل الصريح.

«الخط الوطني» بات مطلبا أساسيا، فلم يعد من الممكن الاكتفاء بالأسلوب الإعلامي القديم. لسنوات طويلة جدا «سمح» بالتشكيك في كل ما هو وطني، واتُّبعت في ذلك سبل ممنهجة من المتطرفين وأرتالهم المنتشرة في المواقع المختلفة، وكان دوما التصنيف أسهل وأقوى الطرق لعمل ذلك، والإقصاء من المجتمع المضلل أساسا، فكانت وصمة التغريب، والليبرالي والعلماني واللاديني، هي أسهل الصفات التي يتم تعليقها على كل من طالب بالخط الوطني.

اليوم الوضع لم يحتمل الحلول الرمادية، ولا بد من السماح بالصوت الوطني في كل المجالات، للانطلاق والحديث والإدلاء بالرأي، وتجنيد كل القطاعات لنشر الرسالة الوطنية السعودية، بدلا من الاكتفاء ببعض البيانات الرسمية التي مضى عليها الزمن، ولم تعد تؤخذ بذات الجدية كما كانت قديما.

التعليقات