كتاب 11

08:57 صباحًا EET

تغيير أدوار!

هناك حراك في العالم يجري ببطء نوعا ما، ولكنه يتشكل مع مرور الوقت. الحراك المقصود هنا هو حراك «تغيير المراكز وتبدل الأدوار»، ولعل أبرز وقائع ذلك بروز قيادات جديدة مكان قيادات تقليدية وقديمة كانت تحتل هذه المواقع.

اليوم القارة الأوروبية العجوز، التي كانت دوما تقاد وبإمرة بريطانيا العظمى وفرنسا، هاتين الدولتين اللتين كانت لهما اليد الإمبريالية الممتدة إلى أصقاع المعمورة البعيدة، واللتين تغير الوضع عنهما اليوم وتقلص كثيرا حجمهما وثقلهما وانحسر المد العسكري الذي كانتا تتمتعان به.. اليوم أصبحت القارة الأوروبية تقع تحت قوة وهيمنة وتأثير القوة الألمانية، وهي قوة لا علاقة لها بتهديد السلاح واحتلال الأراضي وترويع الجيران من الدول، ولكن هذه المرة بالريادة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية المتوازنة وتحقيق المعادلة الدقيقة في الحفاظ على وحدة الاتحاد الأوروبي وتقوية الاقتصاد السيادي لألمانيا نفسها، لأنها أدركت تماما أهمية بقاء السوق والاتحاد الأوروبيين ككتلة واحدة، نظرا لأن هذه السوق المتماسكة أصبحت أحد أهم المواقع المعتمدة لتصريف منتجاتها من خدمات وصناعات، وها هي تقوم بدور «المنقذ» للاقتصادات غير الناجحة في القارة الأوروبية، مثل قبرص واليونان وإسبانيا والبرتغال، فتمدها بالعون الاقتصادي لنجدة مصارفها والأخذ بأيديها للعودة مجددا إلى العافية والصحة المالية المناسبة.

إنه العصر الألماني بامتياز. ويبدو أن النشوة التي شعر بها الألمان عقب فوزهم المستحق ببطولة كأس العالم لكرة القدم الأخيرة، وسحقهم لمنتخب البرازيل على أرضه بنتيجة كارثية وأسطورية، انعكست على نفسية الشعب الألماني وأضافت ثقة على ثقته ليزداد إبداعا وتألقا في مجالات أخرى كثيرة.

هذا النوع من التغيير في المواقع نراه أيضا في القارة الأفريقية التي كانت تقليديا فيها جمهورية جنوب أفريقيا لها الريادة والمكانة الأولى والأكثر تأثيرا، فهناك تأثير متزايد لنيجيريا التي لها أكبر تعداد سكاني في القارة السمراء، وهي دولة نفطية بدأت في إعادة ترتيب بيتها الاقتصادي ومحاربة الفساد فيه والقيام بأدوار مؤثرة مع دول الجوار والمشاركة في قوات السلام لحل مشاكل القارة، لكنها من المتوقع أن تتنافس في ذلك الأمر أيضا مع كل من إثيوبيا ومصر التي تبحث عن هويتها الأفريقية لممارسة دور أهم وأكبر والاستفادة من موقعها التاريخي وعلاقته بالقارة التي تقع فيها.

وفي أميركا اللاتينية، انتقلت ريادة القارة الجنوبية من تشيلي إلى البرازيل، وأصبحت بلاد السامبا والبن وصاحبة القاعدة السكانية الأكبر في القارة الجنوبية هي القوة الأكثر تأثيرا بعد سنوات من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي الكبير، فهيمنت على الأرجنتين وكولومبيا وفنزويلا وبيرو وأوروغواي وتشيلي بشكل كامل، وأصبحت مع الوقت إحدى أهم القوى الاقتصادية الناشئة والمؤثرة على مستوى العالم بأسره، وباتت القارة على موعد جديد مع وجه جديد لقيادتها، وعلى العالم قبول ذلك الأمر والتعايش معه.

وفي آسيا، وبعد سنوات من القوة المنحصرة في اليابان، خرج المارد الصيني لـ«يفرد عضلاته»، وتبعه الفيل الهندي هو الآخر، وكل هذه الهيمنة جاءت على حساب اليابان ومعها النمور الأخرى مثل كوريا وتايوان وتايلاند وماليزيا وإندونيسيا والفلبين.

إنه عصر آسيوي جديد بحجم مختلف وطموحات هائلة واعتبارات غير مسبوقة من قبل. وآسيا لها من الثقل والوزن المؤثر ما يجعل أحداثها تؤثر على العالم بأسره بلا شك.

وتبقى هناك أسئلة واستفسارات عن أدوار «جديدة» لقوى غير محسوبة على قارات بعينها لكنها تبحث عن أدوار ولا شك.. قوى مثل كوريا الشمالية وإيران وتركيا تدور في فلك لوحدها، لكنها تحدث قدرا غير بسيط من الضوضاء والإزعاج السياسي القادر على زعزعة الأمن وبالتالي تحريك العالم للتفاعل معه.

الأهم من هذا كله أننا نعيش مرحلة جديدة من تغيير اللاعبين والأدوار.

التعليقات