كتاب 11
الخيار الصعب!
الشرق الأوسط، هكذا وعينا على هذه الدنيا، ونحن نعرف أنه هذا هو اسمه. منهم من يشرح أن سبب التسمية له علاقة بحتة بالموقع الجغرافي، وهناك من شرح السبب في أن التسمية تعود إلى أن المنطقة وسكانها عبر التاريخ كانوا وسطيين، مما سمح بحالة استثنائية من التعايش السلمي بين الملل والأعراق المختلفة، حتى وإن تخللتها الكثير من الحروب والمواجهات الدموية، إلا أن التاريخ لا يقاس بالاستثناء ولكن بالمجمل. هذه المقولة لم تعد اليوم ممكنة.
العالم العربي بشكل «عملي» يخرج من تاريخ الأمم الحضاري، فالمشهد الجنوني الحاصل اليوم في المنطقة، والانفجار المهول في العنف الناتج عن الجماعات الدينية المتطرفة أمثال داعش و«القاعدة» وحزب الله وغيرهم، يدل أننا أمام مشكلة مهولة. تخرج علينا استطلاعات الرأي التي تقيس أفكار الشعوب لتظهر في إحدى الدول الإسلامية أن هناك تعاطفا مع فكر داعش بنسبة تزيد عن 92 في المائة، وهذه النسبة أقل ما يقال عنها إنها صادمة ومفزعة، وكذلك الأمر بالنسبة لاستطلاعات الرأي السابقة الخاصة بتنظيم القاعدة الإرهابي، ومدى وجود «قبول» و«تعاطف» شعبي معهم، وكانت المفاجآت التي أظهرت وجود رضا وإعجاب بالفكر القاعدي وقياداتها وسياساتها (إذا كان بالإمكان أن نطلق هذه الكلمة على جرائمها)، ونفس الشيء يظهر في مناطق نفوذ تنظيم ميليشيات حزب الله الإرهابي التكفيري الذي يصوره أتباعه أنه رمز لـ«المقاومة» وحامي الدين ولديه هو الآخر بالتالي قبول شعبي كبير.
الشيء اللافت للنظر أن هذه المجاميع الثلاثة، كلها أمثلة صارخة على الخلل الكبير الموجود في بعض مدارس الفكر الديني المتشددة، لأن هذه الجماعات وبوضوح واختصار شديد، جماعات خارجة عن القانون، ومسلحة وتخرج عن ولاية الحاكم، وتهدد الصالح العام، وتثير الفتن، وهي كلها حجج شرعية وجيهة جدا في رفض ما حصل، ومن الجهة القانونية والتنظيمية هذه منظمات وعصابات إجرامية خارجة عن القانون، ولا بد من محاربتها والقبض على من وراءها ومحاكمتهم ومعاقبتهم. جزء من الفكر العقيم الذي أصاب مواقع كثيرة في عالمنا، هو استخدام الحجج والتبريرات لتأمين «مجرمين» وإعطائهم الشرعية الكاملة بعباءة الدين لتقديم التبرير السحري لكل الهراء، الذي يأتي على لسانهم. والعجيب أنه في جلسات المؤيدين والمدافعين والمتعاطفين مع هذه الفرق المجرمة، يكون دوما الإعجاب مجال ذكره لشخصية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وطبعا هذا يثير الضحك فمن ناحية المظهر فهو لا يرتدي إلا ملابس «الغرب» و«الكفرة» بحسب توصيفهم، وهو يحمي مقدسات ودور العبادة لكل الأديان الموجودة على أرض بلاده، فكيف يعتقد مجموعة من هؤلاء الإرهابيين أنه يمثلهم أو أنهم ينتمون لنفس الفكر؟
عموما هناك مشكلة ضحالة وانغلاق، ولذلك يلجأ المجرمون للسلاح «لتطبيق» وجهة نظرهم. المشوار لا يزال بعيدا، وطالما بقي المسلمون غير قادرين على مواجهة المشكلة والاعتراف بها من جذورها، فسيأتي من يعالجها دوما من الخارج فارضا الشروط الصعبة عليهم.