مصر الكبرى

11:37 مساءً EET

انقسام الأمة المصرية حول الدستور

انتهى شهر العسل بين القوى السياسية التي تعاونت على إسقاط الرئيس حسني مبارك، وبدأ صراع مكشوف بينها من أجل تحديد نظام الحكم الجديد. وفي ذات المكان الذي خرج فيه شباب الثورة لمعارضة النظام السابق، خرج الشباب الليبرالي مؤخرا إلى ميدان التحرير يطالب بإسقاط اللجنة التأسيسية للدستور ذات الأغلبية الإسلامية، وتكوين لجنة تمثل جميع أطياف الشعب المصري. فبينما ثار الليبراليون من أجل إقامة دولة مدنية تتزايد فيها الحريات وتتضاءل سلطات الرئيس، تصر تيارات الإسلام السياسي على بناء دولة دينية يخضع فيها المواطن لسلطة مركزية تسيطر على الأمور السياسية والدينية، ولا يحصل فيها الأقباط والنساء على حقوق المواطنة.

وبعد تلقيها كثيرا من الطعون، قررت محكمة القضاء الإداري إحالة دعاوى بطلان الجمعية التأسيسية للدستور إلى المحكمة الدستورية العليا. إلا أن قرار المحكمة لم يمنع الجمعية المطعون فيها من الاستمرار في عملها، حيث تحاول الانتهاء من كتابة مشروع الدستور وعرضه في استفتاء شعبي سريعا، قبل أن تتاح الفرصة للمحكمة الدستورية للنظر في القضية، فتنتهي الدعوى.
ومحاولة منه لتجاوز الصراع حول تأسيسية الدستور، دعا الرئيس محمد مرسي ممثلي الأحزاب والطوائف السياسية إلى لقاء معه في قصر الرئاسة لمناقشة موضوع الخلاف. إلا أن أحزاب المعارضة والجماعات الليبرالية لم تلبِّ الدعوة، وطالبت الرئيس بتنفيذ الوعد الذي قطعة أمام الجبهة الوطنية قبل انتخابه للرئاسة، بإعادة تشكيل لجنة الدستور من بين جميع التيارات السياسية والاجتماعية في الأمة. وبعد لقاء مرسي مع بعض المتعاطفين مع سياسة «الإخوان»، عبّر ياسر علي – المتحدث باسم مرسي – عن رفض الرئيس الاستجابة لمطالب التيارات المدنية قائلا: «إن الرئيس يواصل العمل من أجل الانتهاء سريعا من صياغة الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية»، وأكد عدم رغبة مرسي في التدخل في أعمال لجنة الدستور.
وعندما بدأت مظاهرات يوم الغضب في ميدان التحرير في 25 يناير (كانون الثاني) 2011، كانت تعبر عن احتجاج الجماهير المصرية بكل أطيافها، مطالبة بحل مجلس الشعب الذي يسيطر عليه الحزب الواحد، وتعديل الدستور حتى لا يسمح بإعادة انتخاب الرئيس مدى الحياة. وأمام إصرار الجماهير اضطر الرئيس حسني مبارك إلى التنحي عن السلطة في 11 فبراير (شباط)، وتسليم اختصاصاته إلى المجلس العسكري لحين انتخاب رئيس جديد. بعد ذلك، قرر المجلس العسكري حل البرلمان القديم وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، ثم قام بإلغاء دستور سنة 1971 نفسه وإصدار إعلان دستوري يتم العمل به حتى يتم وضع دستور جديد للبلاد، نصت المادة 60 منه على أن يقوم البرلمان الجديد باختيار اللجنة التأسيسية له.
وفي 17 مارس (آذار) الماضي، قرر البرلمان الذي يسيطر عليه «الإخوان» اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور مناصفة، بحيث يختار البرلمان 50 عضوا من بين نوابه، و50 آخرين من الشخصيات العامة ومن ممثلي النقابات التي يسيطر عليها. ولما كان الدستور هو النتاج الأساسي لأي ثورة في العالم، فقد رفض الليبراليون سيطرة جماعات الإسلام السياسي على لجنة الدستور. فبعد ثورة 1919، تشكلت لجنة لوضع دستور سنة 1923 على أساس نظام الملكية البرلمانية، تكونت هذه اللجنة من المفكرين ورجال القانون ورجال الدين والأعيان ورجال الأعمال. فلم يحدث في تاريخ النظم الديمقراطية أن يتولى البرلمان اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، بل وأن يشارك أعضاؤه ايضا في هذه اللجنة. فالبرلمان يعبر عن مرحلة سياسية مؤقتة، ويمكن أن يتغير اتجاهه في الانتخابات التالية، أما الدستور فيتضمن مبادئ ثابتة تحفظ مصالح الأمة بجميع طوائفها واتجاهاتها، وليس لمصلحة حزب الأغلبية.
لهذا انسحب ممثلو الأحزاب والأزهر والكنيسة من لجنة الدستور، وأصدرت محكمة القضاء الإداري حكما بإبطال اللجنة التي شكلها البرلمان. ثم تم الاتفاق بين ممثلي الأحزاب والهيئات السياسية من جهة والمجلس العسكري من جهة أخرى، على تشكيل لجنة جديدة لوضع الدستور من خارج البرلمان، تمثل جميع أطياف الأمة بشكل متوازن. إلا أن برلمان «الإخوان» اعترض على هذا الاتفاق، كما رفض الالتزام بقرار المحكمة الإدارية العليا، التي ألغت الجمعية التأسيسية السابقة وقام – قبل انتخابات الرئاسة – بتشكيل الجمعية الحالية لوضع الدستور، بنفس الطريقة التي تم بها اختيار اللجنة التي ألغتها المحكمة.
وينحصر الخلاف الرئيسي بين الليبراليين والإسلاميين حول المادة الثانية من الدستور، التي وردت في جميع الدساتير المصرية منذ سنة 1923، والتي تنص على أن تكون «مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر التشريع». ذلك أن التيار الإسلامي يريد تعديل هذه المادة لتنص على أن «الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي لتشريع القوانين», مما يلغي دور البرلمان في وضع القوانين الذي يصبح من سلطة فقهاء الإسلام السياسي وحدهم. فهل ينتهي الربيع العربي في مصر، وتنقسم الأمة إلى قسمين، أم يتم وضع دستور جديد يلائم تاريخ شعب مصر ويعيد الوئام إلى أبنائها؟

التعليقات