مصر الكبرى

08:22 صباحًا EET

لماذا يخشى المتطرفون الفتيات الصغيرات

طالعتنا الصحف العالمية على مدى الأسبوعين الماضيين بقصة الطالبة الباكستانية الطفلة ملالة يوسف زاي والتي حاول اشاوس طالبان قتلها برصاصة مباشرة في الراس أثناء عودتها الى بيتها على متن حافلة مدرسية. استشعر المحاربون الجهاديون العتاولة الخطر كل الخطر في ما تكتبه الصغيرة على مدونتها وعرفوا أن بقاء سيطرتهم على تلك البقاع المضطربة في العالم في كهوف وادغال باكستان وافغانستان مرهون بقدرتهم على اخراس ملالة ذات الخمسة عشر ربيعا الآن قبل غدا.

كانت ملالة تبث الشجاعة في قلبها وقلب من يقرأ مدونتها بالطريقة نفسها التي يقف بها لاعبو الرياضات القتالية ليظلوا يصرخون بقوة قبل بدء المباراة ليصدو أنفسهم عن التراجع. كانت الصغيرة تكتب عن احلامها وإيمانها بأن التعليم هو الذي سيجعل من بلادها جنة ومن نسائها أحرارا لا عبيد. دأبت الصغيرة على كتابة عبارة " انا لست خائفة.". واظن ان فرائصها كانت ترتعد من الداخل وانها لهذا لسبب صرخت لتثبت أقدامها في فصلها الصغير ومدرستها المتهالكة.
بدا صيت ملالة يدوي في أنحاء باكستان ووصلت اليها البي بي سي البريطانية والعديد من وسائل الإعلام الدولية التي طلبت منها مباشرة مدونتها من اجل التعليق على اوضاع المرأة والتعليم في باكستان.
شعر المقاتلون العتاة بان الصغيرة تتحداهم وهددوا أباها بان يسكتها او أن يقوموا هم بالمهمة. أبى الرجل أن تصبح صغيرته مؤودة وهي على قيد الحياة وشاركها اهتمامها بتعليم المرأة وتفكيك سيطرة طالبان عليها في تلك البقاع المنكوبة.
أوقف المجرمون الحافلة المدرسية.. سألوا السائق عن ملالة يوسف زاي.. وقفت الصغيرة فعاجلوها بطلقات حية في رأسها وعنقها ثم لاذوا بالفرار. لم تمت ملالة بل غابت عن الوعي أياما ثم نقلت الى المملكة المتحدة لتستكمل علاجها. وكالمعتاد أصدر شيوخ باكستان بيانا جماعيا لشجب وادانة واستنكار ما حدث لملالة وبراءة الاطفال في عينيهم وكانما لم تؤد افكارهم او على الأقل صمتهم الى ذلك المصير الأسود الذي وصلت اليه نساء باكستان حتى أصبحن تتسولن حقهن في التعليم.
والحقيقة ان مدى الترابط الفكري بين متطرفي العالم الاسلامي لطالما أذهلني. فلم تمض على حادثة ملالة سوى أيام معدودة لنسمع عن المعلمة المنقبة التي قامت بقص شعر الصغيرتين في مدرسة ابتدائية بالأقصر لأنهما لم ترتديا الحجاب. وقامت حكومة الاخوان بمعاقبة المعلمة عقابا رادعا بخصم شهر من راتبها الذي لا اظنه يتجاوز تكلفة جلسة علاج نفسي واحدة للصغيرات هذا بفرض ان أبويهما ممن يؤمنون او بالأحرى يستطيعون تحمل تكلفة الطب النفسي.
لماذا يخشى المتطرفون الفتيات الصغيرات لهذه الدرجة؟ألم يفكر أحدكم لماذا يناقش هؤلاء ليلا نهارا ألا يحد زواج البنات بسن بينما لم يتطرق احدهم لسن الزوج؟ او ليس للامر طرفان؟
ولكنها الرغبة الاكيدة في ترويض الفتيات وتحزيم وتحجيم عقولهن منذ المنشأ وقبل ان تتفتح عيونهن على أحلام مشروعة وخطط لمستقبل لا تكن فيه الفتاة جارية او عبدة.
لماذا تلغي حكومة المرشد الأعلى في ايران العديد من العلوم الانسانية من كليات الفتيات وتمنعهن من تعلم الفلسفة والصحافة والمنطق والعديد من العلوم الانسانية بزعم انها لا تناسب طبيعة ودور المراة في المجتمع والجمهورية الإسلامية.
أن تقتل ملالة وأن يقص شعر منى وان تناقش أمينة المرأة في الحرية والعدالة حق ذات التسع سنوات في تأسيس بيت وأسرة يشير الى خشية المتطرفين من الفتيات الصغيرات وصوتهن العالي الذي يكسر جدار الخوف في زمن كف فيه الرجال عن الاعتراض بل وركب كثيرون منهم الموجة وطبلوا امام موكب المتطرفين الذين صعدوا الى عروش الدول الاسلامية والعربية في غفلة من الزمن.
ان ثورة المرأة يعقبها ثورة رجال ونساء أسرتها، لكن ثورة الرجل في الغالب تخصه وحده. عندما تثور النساء تربين الثائرين والثائرات ويصبح رحم كل واحدة منهم مولّدا للنور والعقل النقدي. اذا ثار شاب او رجل تقف زوجته وامه وبناته لتثنينه عن رمي نفسه في التهلكة، وعندما تثور المراة يخجل الرجال من انفسهم وتقاعسهم ويستشعرون الحرج في الاسترخاء على الكنبات الوثيرة. المراة الثائرة لن تتزوج الا ثائرا ولن ترضى أن تنجب من ينضمون الى القطيع بل ستنجب ثوار يملأون الدنيا ضجيجا ويناقشون كل صغيرة وكبيرة ولا يعرفون المسلّمات. المراة الثائرة قنبلة موقوته في وجه الفاشية دينية كانت او عسكرية. يخشى المتطرفون صوت المرأة ببساطة يا سادة… لأنه ثورة.

التعليقات