مصر الكبرى
لماذا يكذب الإخوان دائما؟!
صحيح أن المصريين شعب طيب القلب – لكنه ليس غبيا كما لا يسهل خداعه. فقد صدق المصرين وعود الإخوان المسلمين برغبتهم في إقامة حياة ديموقراطية, والمشاركة مع باقي المواطنين في بناء دولة الحرية والعدالة ولهذا قرروا التصويت لهم في إنتخابات البرلمان. لكنهم سرعان غيروا موقفهم عندما كشفوا خداع الإخوان وفوجئوا بتراجعهم عن كل ما أعطوه من وعود, فظهرت أهدافهم الحقيقية في السيطرة على حكم البلاد وإقامة حكم شمولي جديد, يحل مكان النظام الذي أسقطته الثورة. فقد تراجع الإخوان عن وعودهم التي أعطوها للناس في أكثر من مرة. فبعد أن وعدوا الشعب بأنهم لن يترشحوا لأكثر من نسبة30 % من مقاعد البرلمان, نقضوا هذا الوعد وترشحوا في غالبية المقاعد. وبعد أن أيدوا حكومة الجنزوري ووافقوا على استمرارها في عملها حتي نهاية الفترة الإنتقالية في آخر يونية القادم, عادوا وتراجعوا عن هذا الموقف وأصروا على إسقاط الجنزوري وحكومته, لتشكيل حكومة يسيطرون هم عليها. وبعد أن طمأنوا الناس على أنهم لن يحتكروا وحدهم كتابة الدستور ووعدوا بمشاركة جميع الطوائف والفئات في هذا العمل, فاجأوا الجميع بإحتكارهم للجمعية التأسيسية للدستور, التي استولوا على حوالي 70 في المائة من عضويتها. وبعد أن أعلنوا أنهم لن يرشحوا رئياسا للجكهورية من بين أعضائهم, قرر الإخوان ترشيح اثنين بدلا من واحد. وكان قرار الجماعة بترشيح خيرت الشاطر – نائب المرشد العام – لإنتخابات الرئاسة بمثابة الحبة التي قسمت ظهر البعير, حيث تبين لشعب مصر عدم احترام الإخوان لوعودهم ولم يعدوا يصدقون أي شيئ يقولومه بعد ذلك. فرغم أن شباب الثورة التي بدأت في 25 يناير 2011 كانوا يطالبون بالإطاحة بنظام الحزب الواحد الذي فرضه جمال عبد الناصر منذ 23 يوليو 1952, إلا أن الصورة الآن لينت تمركز السلطة السياسية في يد جماعة الإخوان المسلمين التي حلت مكان الحزب الوطني المنحل. فبعد سيطرتها على الأغلبية في البرلمان, قررت الجماعة الانفراد بتشكيل لجنة وضع الدستور مع حلفائها الإسلاميين, لتكوين دستور يدعم برنامجها السياسي, كما يستبعد احتمال وصول أي حزب يساري أو ليبرالي إلى سدة الحكم في المستقبل. ولم يحدث في تاريخ النظم الديموقراطية أن يتولى البرلمان اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور, بل وأن يشارك أعضاؤه كذلك في هذه اللجنة. فالبرلمان يعبر عن مرحلة سياسية محددة, ومن الطبيعي أن يتغير اتجاهه في كل مرة يعاد فيها انتخابه. أما الدستور فيتضمن مبادئ ثابته تحفظ مصالح الأمة بجميع طوائفها واتجاهاتها, وليس لمصلحة حزب الأغلبية. وهذا هو ما حدث في مصر عند وضع دستور 1923. فبعد انتهاء الحماية البريطانيا على مصر في 28 فبراير, أعلن السلطان فؤاد في 15 مارس استقلال مصر وغير لقبه ليصبح ملك مصر بدلا من سلطانها. وفي الشهر التالي قامت حكومة عبد الخالق ثروت باشا بتكوين لجنة لوضع الدستور, تكونت من المفكرين ورجال القانون ورجال الدين والأعيان ورجال الأعمال. ثم أصدر الملك فؤاد الدستور بأمر ملكي في 19 أبريل 1923, طبقا للمشروع الذي وضعته اللجنة. وكانت النقطة الفاصلة التي أثارت غضب الشارع المصري وأدت إلى قام ثورة 25 يناير, هو ما حدث في إنتخابات مجلس الشعب التي تمت قبل نهاية 2010, والذي أدى إلى إنهيار الثقة في حكومة الرئيس السابق حسني مبارك. فقد عمل المهندس أحمد عز – أمين تنظيم الحزب الوطني – الذي كان مسئولا عن إدارة إنتخابات مجلس الشعب, إلى استخدام كل الطرق المشروعة وغير المشروعة حتى يفوز حزب الحكومة بالضربة القاضية, بعد استبعاد الأحزاب الأخرى من حلبة الإنتخابات. نال الحزب الوطني الديموقراطي 81% من المقاعد البالغ عددها 518, بزيادة 90 مقعدا عما كان عليه في الإنتخاب السابقة التي أجريت في 2005, بينما لم يفز المستقلون والمعينون سوى بتسعة عشر في المائة. وهكذا ربح الحزب الوطني الإنتخابات, ولكنه خسر ثقة الشعب المصري. وبنزول الجماهير إلى الشارع مطالبين برحيل النظام الشمولي الذي سيطر على حكم البلاد لحوالي 59 عاما, انتهت شرعية ثورة يوليو وبدأ عصر جديد يرفض حكم الحزب الواحد ويطالب بعودة الحياة البرلمانية إلى مصر. ويبدوا أن الإخوان – مثلهم في هذا مثل الحزب الوطني – قد بالغوا في تقدير قوتهم الحقيقية في الشارع المصري, معتقدين بأن في استطاعتهم خداع الجماهير وفرض سيطرتهم على شعب قد رفعت الغمامة عن عيونه وصار عازما على تصحيح خطيئته, وإعادة خياراته التي تمت بناء عن وعود كاذبة. لا أحد ينفي أن الإخوان المسلمين هم مواطنون مصريون لهم جميع الحقوق السياسية التي للآخرين, وإذا ما حصوا على تأييد غالبية أبناء الشعب المصري يصبح لهم الحق في حكم البلاد بالطريقة التي يريدونها. لكننا نعرف كذلك أن غالبية شعب مصر تريد بناء نظام سياسي جديد يهدف إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء, في ظل مجتمع مدني ديموقراطي يحمي الحرية ويسمح بالتعددية. فليس أمامنا الآن سوى خيارين: الخبز والحرية غي ظل نظام مدني يقوم على أساس تبادل السلطة, أو نظام إسلامي يحتكر السلطة ويعيد الحكم الشمولي الذي أسقطناه.