مصر الكبرى

10:19 صباحًا EET

ذئاب الجبل!!

"قالوا علينا ديابة.. واحنا يا ناس غلابة.. يا مغنواتى غنى.. حكايتنا ع الربابة".. "خاصمنى يا زمانى.. وارجع صالحنى تانى.. نسينى اللى جرالى.. فى العمر الأولانى".. الكلمات للعبقرى عبد الرحمن الأبنودى.. والألحان للحساس د.جمال سلامة.. والغناء للمطرب على الحجار.. مطلع مقدمة وختام المسلسل الأشهر فى تاريخ المسلسلات العربية, التى تروى من صعيد مصر.. للمبدع المفكر الدكتور محمد صفاء عامر.. رسم خطوطها ونقلها مجسدة من الورق, إلى الشاشة الصغيرة, إلى قلوب ملايين المشاهدين, المتمكن مجدى أبو عميرة.. "ذئاب الجبل".. المسلسل الذى أذيع على الشاشات العربية المختلفة 66 مرة!!

قد يندهش البعض من الكتابة عن مسلسل قديم تمت إذاعته كل هذا العدد من المرات.. وفى كل مرة يحقق نسبة مشاهدة تثير العجب.. أكتب عن "ذئاب الجبل".. مستدعية المرة الأولى التى عرض فيها المسلسل على ملايين المصريين.. كانت الشوارع تخلو من المارة وقت إذاعته.. تلوذ الجموع بالمنازل.. أو أى مكان به شاشة تليفزيون.. أى مواعيد عمل أو لقاءات خاصة كانت تتم قبل أو بعد المسلسل.. كره المشاهدون بطله البدرى فى حلقاته الأولى.. أصابهم بكثير من الحنق فى إصراره على التمسك بما هو خطأ.. ثم تعاطفوا معه باقى الحلقات وحتى النهاية.. بكوا ليلة قتل ياسين.. وفغروا أفواههم لما يقوله الشيخ بدار منذ البداية.. وحتى باختفاء الشخصية بالموت بعد بضع حلقات.. تظل المعانى التى ألقاها الرجل على ملايين المتابعين, هى الخيط الحريرى الممتد طوال الحلقات.. والعمود الفقرى الذى بنى عليه العمل الدرامى كله.. إعمال العقل.. فليس كل موروث صحيح.. وليس كل خرق له مخالفة لشرع الله.. وإذا لم يكن هناك من بد فى الاختيار بين ما أمر به الله.. وما صاغه البشر بأيديهم.. فتحول بمرور الوقت لقوة تعمى العقول عما أمر به الله.. فليكن الاختيار.. ما أمر به الله.. فهو الحق.
دعوة الدكتور صفاء عامر لإعمال العقل.. دعوة نحن فى أمس الحاجة إليها الآن.. فخطورة طغيان موروثات قبلية خاطئة فى بعض البقاع من دول منطقتنا.. مثل خطورة انتشار أفكار مشوهة عن الإسلام.. روجها بعض المتطرفين, مستندين على تفسير قاصر لدين واسع, وانساق خلفهم ملايين البشر ممن أوقفوا عقولهم عن العمل بأيديهم.. وأعطوا ظهورهم لصحيح الدين ويسره وعمقه.. واكتفوا باختزال تلك الجماعات القاصره له.. حاجبين نوره – الواضح بالضرورة – عن أعينهم.. مستمرئين حياة مظلمة نهايتها.. متهمين كل صاحب فكر دينى معتدل بالكفر.. وتلك هى الآفة التى وضع الدكتور محمد صفاء عامر يده عليه منذ سنوات طويلة.. وشاركه فى تجسيدها, كوثيقة حية, الكتيبة التى أخرجت هذا العمل للمشاهدين بكل تلك الروعة.. فاستحق بجدارة عدد مرات الإعادة تلك.. ونسب المشاهدة غير المسبوقة من متلقين يرغبون بشدة – فى عقلهم الباطن – فى جرعات متتالية لأعمال من هذا النوع.
عندما تظلم بصيرة البطل البدرى فينفق وقته للبحث عن شقيقته للانتقام.. لا تلبث رحلة بحثه هذه أن تتحول إلى الرغبة فى الوصول إليها لتمنحه الحياة.. عندما يرى فى اختفاء شقيقته جريمة.. ثم تضطره الظروف للرغبة فى العثور عليها.. فوجودها على قيد الحياة.. هو سبيله الوحيد للإفلات من حبل المشنقة.. وجودها حية يعنى حياته.. واختفاءها يعنى أن يظل طريدا هاربا مدى الحياة.. وتلك فكرة أخرى وضعها المفكر الكبير صفاء عامر فى يقين المشاهد طوال المسلسل.. التمسك بأفكار لا مكان لها فى مجتمعاتنا الآن قد يكون ثمنه الحياة نفسها.. وعندما لا يكون هناك خيار آخر.. فإن الرغبة فى الحياة تستحق التوقف كثيرا ومناقشة كل الأفكار التى صنعناها بأنفسنا.. ثم حولناها إلى مقدسات يمنع الاقتراب منها.. بل تستحق أحيانا التخلى عن تلك الأفكار إذا كان ثمنها الحياة نفسها.أدعوكم للتفكير فيه.. فقط مجرد التفكير.. فهى نعمة منحنا الله إياها.. وسوف يحاسبنا إذا أهدرناها دونما قيمة حقيقية.

التعليقات