عين ع الإعلام
منال لاشين تهاجم لقاء السيسي برجال الاعمال
ما بين لقاء الرئيس السيسى العابر برجال الأعمال فى الأسبوع الماضى بندوة أخبار اليوم، ولقائه المطول بهم يوم الأحد الماضى جرت مياه كثيرة ومفاوضات بين أباطرة رجال الأعمال للوصول إلى حل وسط، حل يزيل التوتر بينهم وبين الرئيس السيسى، وهو التوتر الذى بلغ ذروته بعد إطلاق السيسى حساب «تحيا مصر»، فقد كانت استجابة رجال الأعمال لمبادرة السيسى مخزية بكل المقاييس.
وبعد افطار الأحد الماضى بدا للطرفين أن الأزمة قد حلت وأن التوتر قد زال، ولكن حين يتعلق الأمر بالمال فمن المستحيل توقع الخطوة القادمة أو الهدف الرئيسى للكبار من أهل البيزنس.
1- مفاوضات ما قبل اللقاء
بعض كبار أهل البيزنس وقعوا فريسة للعند، وقادوا فى البداية فكرة عدم الاستجابة لمبادرة السيسى، وكان من بين أسبابهم- أو بالأحرى حججهم -أنهم يرفضون التهديدات وإجبارهم على اتخاذ أى قرار، وقد قام محامى بيزنس شهير بنقل هذه المخاوف أو الاعتراضات للرئيس السيسى، خاصة أن المحامى الشهير كان مقربا من السيسى أثناء الانتخابات، ولذلك حرص السيسى على حضور جانب من ندوة الأخبار لرجال الأعمال، وكانت رسالته الواضحة أو الأساسية (أنه لا إجبار فى التبرع لحساب تحيا مصر ولا إجراءات استثنائية أو انتقامية ضد أحد)، أما باقى كلام الرئيس السيسى فى ندوة الأخبار فهو من باب اثبات حسن النوايا، لأن السيسى لم يذهب للندوة ليقول لأهل البيزنس (أنتم شقيتم وتعبتم)، ولكن السيسى أراد تلطيف الاجواء والوصول للرسالة الأساسية، وخلال اللقاء السريع فى ندوة الأخبار لم يفتح أى من الحاضرين ملف أو أسباب رفضهم التبرع، بل إن بعض الكبار منهم تبادلوا السخرية من بعضهم البعض، ولم يرفض أو حتى يعترض أى من الحاضرين على التبرع، وإن كان الحال قد تغير فور مغادرة السيسى القاعة.
وكانت المفاوضات واللقاءات بين كبار أهل البيزنس قد تواصلت حتى خارج حدود مصر، فبعدما سافر رجل الأعمال الشهير إلى لندن جرى نوع آخر من التنسيق، فقد تقابل رجل الأعمال الشهير جدا والبخيل جدا فى لقاءات عشاء مع كبار أهل البيزنس المصريين الذين يعيشون فى لندن، وكان رأى أحدهم وهو مسئول أن رجال الأعمال لا بد أن يستجيبوا لمبادرة السيسى، ليس لإرضاء الرئيس فقط، بل لتحسين صورة رجال الأعمال فى مصر، وحذر الرجل من خطر مواجهة أهل البيزنس للرئيس السيسى، لأن الرجل يتمتع بشعبية كبيرة من ناحية، ورجال الأعمال يتمتعون بكراهية شديدة من الشعب من ناحية أخرى.
ولكن أخطر ما قاله المسئول السابق كان يتعلق بالعواقب الاقتصادية نتيجة معاندة رجال الأعمال، لأن السيسى يستطيع أن يحرمهم من المزيد من الاستثمارات والمشروعات سواء بالاعتماد على إسناد المشروعات للقوات المسلحة أو شركات القطاع العام، ويبدو أن هذا البعد أحيا طمع رجال الأعمال مرة أخرى، فالخوف من فتح الملفات القديمة أو بالأحرى البلاغات القديمة قد يعالج بالهروب من مصر، ومعظم الكبار لديه جنسية أخرى وطائرة وبيت وبيزنس بالخارج، ولكن خروجهم من سوق البيزنس كان عقوبة لا يمكن تحملها.. فقد تعودوا على تحقيق مكاسب من كل وأى مشروع.
ومن الموضوعية أن نتذكر أن هذه الحالة المرضية تختص عددا محدودا من كبار أهل البيزنس، وأن بقية أهل القطاع الخاص لا يعانون من هذه الأعراض أو بالأحرى الأمراض، فهؤلاء عانوا من احتكار الكبار وعانوا اكثر من علاقاتهم بنظام مبارك وابنه ووزرائه، والنسبة الأكبر من أهل القطاع الخاص تريد أن تدعم مصر حتى تسير المراكب الواقفة، وتدور عجلة الاقتصاد.
2 – بركة رمضان ولقاء مثمر
ولذلك جاء أهم اقتراح لدعم مصر من مستثمرى بدر، وليس مستثمرى العاشر أو أكتوبر من أباطرة أهل البيزنس، فقد بدأ مستثمرو بدر فى إنشاء شركة قابضة بـ200 مليون جنيه فيما بينهم للانتهاء من مرافق البنية الأساسية للمدينة الصناعية، بما فى ذلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمشروعات التجارية الصغيرة، وقد تحول هذا الاقتراح إلى أساس لفكرة التعاون الجديد بين حساب «تحيا مصر» وأهل البيزنس، بحسب الاتفاق فإن التبرع لحساب تحيا مصر سيكون عينيا وليس ماديا، بحيث يمكن أن يتم التبرع من خلال تمويل وإنشاء مشروعات تخدم الاقتصاد الوطنى، مشروعات محددة بدقة من جانب الرئيس السيسى، وهى المشروعات التى كان يخطط لها قبل انتخابه، وتتولى شركات كبار رجال الاعمال تنفيذ هذه المشروعات خارج اطار الحكومة، أو بالاحرى دون مرور الاموال على الحكومة، فقد كانت الشكوى الرئيسية فى اجتماع السيسى برجال الأعمال من بطء الحكومة وفشلها فى الاسراع فى تنفيذ خطة الدولة العادية، وكان من أكبر (الأسافين) فى الحكومة خلال الاجتماع، ما قاله أحد رجال الأعمال فى قطاع المقاولات من أن الحكومة فشلت فى إنجاز المشروعات الممولة من تبرعات الامارات والسعودية.
وبالمثل حاول بعض الكبار من أهل البيزنس أن يداروا بخلهم بحكاية (حرق التبرعات)، فأكثر من رجل اعمال من الكبار قال إنهم لا يرفضون التبرع لمصر لكن الحكومة بتأخذ التبرعات وتعالج بها عجز الموازنة لشراء سولار ومازوت وغاز، ولذلك فالتبرعات تحرق فى دعم المواد البترولية.
ولذلك بدا اقتراح التبرع بالمشروعات هو الحل الوسط، لكن الرئيس اشترط أن يكون تحديد المشروعات من اختصاص الدولة أو بالأحرى أن يختار السيسى المشروعات، وأن يقوم بتنفيذها رجال الأعمال، وذلك بالتعاون من الوزراء المعنيين وليس من خلال الحكومة، ولذلك جاء التشكيل المقترح لادارة حساب «تحيا مصر» خليطا بين كبار رجال الأعمال ووزراء المالية والاستثمار والصناعة والمشروعات الصغيرة، واستمر كل من محمد الأمين ونجيب ساويرس من أمناء صندوق 30/6 فى التشكيل.
وربما يضع هذا الاقتراح نهاية سعيدة قريبة لحكاية الصندوق وحساب تحيا مصر، لكن هل تستفيد مصر من هذه النهاية على المدى البعيد أو حتى المتوسط، هذا هو السؤال الكبير الذى يحتاج إلى إجابة أشمل وأوسع من مجرد تدفق تبرعات فى حساب أو صندوق لدعم مصر.
3 – الصندوق وسيلة أم هدف؟!
فى بعض الحالات والأحوال وتحت تأثير الضغوط والتحديات الكبرى يقع البعض فى خطأ شهير وهو تحول الوسيلة -أى وسيلة- لهدف فى حد ذاته، حدث هذا فى عهد السادات حينما تحولت عملية مفاوضات السلام لهدف فى حد ذاته، وليست مجرد وسيلة لتحقيق السلام، فكان السادات يعلن كل يوم أن عملية السلام مستمرة، ويسخر المصريون بالنكتة العملية مستمرة وقتل الفلسطينيين مستمر، وأخشى أن يتحول حساب «تحيا مصر» إلى هدف فى حد ذاته، أو بالأحرى يتحول التبرع للصندوق هدفا، وليس مجرد وسيلة لتحقيق أهداف التنمية وتنفيذ المشروعات التى تنقذ مصر من أزمتها الاقتصادية، لأن مصر لديها أهداف كثيرة وكبيرة، ولا يتطلب الأمر إضافة أهداف جديدة، فإطلاق حساب تحيا مصر هو وسيلة عظيمة للمساعدة فى تحقيق الهدف الأكبر وهو تنمية مصر، فإذا لم يتحمس بعض كبار رجال الأعمال للتبرع للحساب، فهذا هو عيبهم، وليس عيب الفكرة، ولذلك فإن اعتبار الصندوق أو الحساب هدفا فى حد ذاته قد يدفعنا للدخول فى مفاوضات أو اتفاقات مع بعض كبار رجال الأعمال تضر بالعدالة الاجتماعية على المدى البعيد، يجب أن يظل الصندوق وسيلة نبيلة لتحقيق هدف عظيم، وبصراحة تامة لم أتحمس كثيرا للتشكيل الجديد لمجلس امناء الصندوق، لم أتحمس لضم رجال اعمال لم يسارعوا بالتبرع لمصر لا فى صندوق 306 306، ولا فى صندوق 037037، لم أتحمس لأن يكون عدد رجال الأعمال فى مجلس الصندوق اكبر من عدد الوزراء، فهذا الوضع يخل بالهيمنة المفترضة للحكومة على مثل هذه الصناديق، بصراحة أعتقد أن هذا التشكيل يجعل رجال الأعمال (كعبهم) عال فى الصندوق، فضلا على أننى أخشى أن تكون تبرعاتهم مدخلا أو فصلا جديدا لحصد عشرات الاستثمارات فى المشروعات الجديدة، وكـأنك يا أبو زيد ما رحت التحرير ولا غزيت.