كتاب 11

08:53 صباحًا EEST

جريمة مُصغّرة فى ماسبيرو!

يعرف كل مهتم بالشأن العام فى البلد أن مبنى التليفزيون، الشهير بمبنى ماسبيرو، يضم 43 ألف موظف وعامل، وأن هذا العدد يمثل ستة أضعاف حاجته الفعلية من البشر، وأنه فى حاجة فقط إلى سبعة آلاف لا أكثر منهم!

والشىء المحزن أن الذين يتناولون هذا الأمر فى كل مرة، يحسبون أن وجه الإهدار هنا، إنما هو الرواتب التى يتقاضاها الـ36 ألفاً الذين لا يحتاجهم المبنى، فى حين أن وجه الإهدار الحقيقى فى الأمر يظل مسألة أخرى تماماً لا تخطر لنا على بال، مع أنها الأشد والأخطر والأفدح!!.. فالرواتب التى يتقاضاها هذا العدد الزائد عن الحاجة هى أتفه ما فى الموضوع، كما سوف نرى حالاً!

وجه الإهدار الحقيقى هو عمر كل واحد من هؤلاء جميعاً، لأنك حين تفترض أن كل واحد منهم يتسلم عمله هناك، وهو فى العشرين – مثلاً – ثم يفارق المبنى فى الستين، فهذا لا معنى له إلا أنه أضاع، وأهدر، وبدد 40 عاماً من حياته، وكأن الله تعالى قد خلقه فى الحياة بلا هدف، وبلا غرض، وبلا فلسفة.. وهو المستحيل بعينه!.. وإذا شئنا الدقة قلنا إن الذى أضاع، وأهدر، وبدد هو الذى وضع هؤلاء فى مكان لا يعملون فيه!

اضرب، من فضلك، 40 عاماً فى 36 ألفاً، لتعرف عندها عدد السنوات التى يتم إهدارها من أعمار الناس فى مبنى ماسبيرو وحده!

الراتب الذى يتقاضاه كل شخص منهم، إذن، هو أبسط ما فى المسألة، لأنك، كحكومة، والحال هكذا، لا تهدر مجرد ألف، أو ألفين من الجنيهات، تدفعها لكل منهم عند نهاية كل شهر، وإنما، وهذا هو الأبشع، تبدد 40 عاماً من حياة كل مواطن زائد عن الحاجة يعمل فى ماسبيرو!!.. هل يتصور القارئ الكريم حجم الجريمة، بل الجرائم التى يجرى ارتكابها، كل صباح، على باب ماسبيرو؟!

ولا تتوقف الجريمة عند هذا الحد، وإنما نعرف أننا عندما نأتى لنحسب عدد العاطلين فى الدولة، فإننا لا نحسب الـ36 ألفاً، فى حين أنهم عاطلون، عاطلون، عاطلون بالثلاثة.. وقد تواتينا بعض الشجاعة.. بعضها لا كلها.. فنسميهم بطالة مقنعة!

فإذا ما عرفنا أن الحكومة تمنح رواتب لسبعة ملايين موظف، فى كل شهر، فى الوقت الذى تحتاج فيه مليوناً واحداً منهم، أدركنا عندئذ حجم الهدر فى الأعمار، لا الرواتب، على مستوى الدولة كلها، لا ماسبيرو وحده!

فإذا ما أطلقنا على الستة ملايين، الذين هم فوق حاجة العمل الحقيقية، اسم «البطالة المقنعة» فإننا نصبح أقرب ما نكون إلى شخص يكنس بيته، فيضع التراب فى النهاية، تحت السجادة.. والمعنى أنه لم يحدث أن قضى هذا الشخص على التراب فى البيت، ولا هو تخلص منه، وإنما أخفاه عن عينيه.. لا أكثر!

هذا، بالضبط، ما نفعله، حين لا نرى فى الملايين الستة الزائدة عن حاجة العمل، سوى إهدار الرواتب، وحين نسميهم بطالة مقنعة، ولا نسميهم عاطلين كما هو واقع الأمر!

يبدو من كلام الرئيس السيسى أنه رجل يخاف الله، وأنه صاحب ضمير.. فهل هو مستعد لمواجهة هذه الحقيقة المؤلمة؟!.. وهل هو مستعد لأن يسمى الأشياء، هكذا، بأسمائها الحقيقية العارية؟!.. وهل هو مستعد لأن يصارحنا.. ويصارح نفسه، بمثل هذه الحقائق الموجعة؟!.. والأهم ماذا عليه أن يفعل لوقف هذه الجريمة المنظمة فى حق الناس؟!

إن الله لم يخلق إنساناً على سبيل العبث أبداً، ولكننا، فى المقابل، نحول حياته إلى عبث متواصل بامتداد أربعين سنة!!

التعليقات