مصر الكبرى

10:24 صباحًا EET

دلالات الحكم على عادل إمام

الحكم على الفنان الكبير والمبدع المتميز والمثقف الواعى عادل أمام لم يأت اعتباطا، وأنما كان متوقعا ،حيث أن أستهداف الفن ومحاربة الإبداع ومصادرة الحريات وتقبيح وجه الحياة هو جزء اساسى من أجندة الجماعات الظلامية أو طيور الظلام حسب الأسم المميز لأحد أفلام عادل أمام. دور المثقف الحقيقى والفنان والمبدع هو تجميل الحياة أما دور طيور الظلام والبوم الناعق هو تنفير الناس من الحياة ومن إدراك الجمال فيها. مصر التى مثلت فجر الضمير ومهد الحضارة الإنسانية وموطن الرقى والجمال والتوحيد، تعود مع القرن الحادى والعشرين لتكون مصدرا للتطرف وكراهية الذات وكراهية الحياة وكراهية الآخر.

هؤلاء الذين يدعون أنهم يدافعون عن الدين هم فى الواقع مرضى نفسيين يكرهون أنفسهم ويكرهون الحياة ويريدون تصدير هذه الكراهية للمجتمع. الذين فجروا مركز التجارة العالمى فى 11 سبتمبر كانوا يتسكعون قبل تفجير أنفسهم بساعات فى محلات الجنس كما سجلت عدسات المحلات الأمريكية، وبعدها انطلقوا ليقتلوا البشر من جميع الأديان بأسم الله حالمين بممارسة الفسق والجنس والشذوذ فى الجنة كما صور لهم عقلهم المريض. لقد أستمعت إلى أحد المحللين النفسسين الأمريكيين وقتها وهو يحلل الشيزوفيرنيا الاخلاقية التى يعيشونها والأمراض النفسية التى يعانون منها، وقد قال وقتها أنهم يعانون من حالة أنفصام جنونى، وقال أنه يعرف حالة من هؤلاء المهوسين دينيا مارس الجنس مع سيدة بالتراضى وبعد ذلك قتلها بحجة أنها هى المجرمة التى اوقعته فى الخطية لأن المرأة يجب أن تحافظ على عفتها، وكأن الخطية ليست وأحدة أمام الله مهما إن كان مرتكبها.
إن قضية الفنان الكبير هى قضية كاشفة لحالة التردى التى وصلت اليه مصر، وكاشفة للمستقبل المظلم الذى ينتظرنا جميعا ما لم نهب كيد واحدة للدفاع عن ما تبقى من بلدنا، كما أنها قضية منذرة لنا جميعا بالمسئولية الملقأة على عاتقنا فى هذه المرحلة الصعبة. إن مصر تمثل ثانى دولة فى العالم حاليا ،بعد باكستان، فى القضايا المشينة المسمأة إزدراء الأديان، وإذا سار المعدل كما هو عليه الآن ستصبح مصر الدولة الأولى فى هذه القضايا  خلال عدة شهور.
إن دلالات القضية ضد الفنان الكبير تتجاوز الشخص إلى الموضوع، حيث أنها فى النهاية ستصب فى تدمير القوة الناعمة لمصر برمتها، والمخططون والمنفذون الذين قاموا بمثل هذه القضية يريدون إرسال رسالة تهديدية وإرهابية للمفكرين والمبدعين والكتاب والصحفيين بأن عليهم أن يضعوا على عقولهم رقابة ذاتية تشل قدرتهم على الإبداع ومن ثم تسقط مصر فى فخ الفن الدينى المباشر الوعظى الممل المنفر.
لقد آرخ الفنان الكبير عادل إمام بمهارة ووعى للحياة السياسية والإجتماعية فى مصر فى العقود الأربعة الأخيرة من خلال أفلامه، ومن يتابع هذه الأفلام يدرك الذكاء والحنكة والمهارة والثقافة فى أختيار هذه الأفلام لتعكس الواقع المعاش، كما أن الكثير من هذه الأفلام والمسرحيات كانت أهم بكثير من القوة الخشنة فى كشف وتعرية طيور الظلام وأفكارهم وأمراضهم النفسية.إن هذا القاضى ،الذى لا يعرف معنى الفن ولا يقدر الإبداع ولا يدرك ماهية الجمال، حاكم عادل إمام على أروع افلامه ومسرحياته.إن توسيع تعريف المقدس والمحرم ليشمل أصحاب اللحى والجلباب الباكستانى والخيم السوداء فى الشوارع معناه أن مصر تعيش فى فترة الجهل المقدس الذى يكتسح أمامه  كل مقومات الحياة. إنه من المؤسف إنهم أدانوا عادل إمام ولم يدينوا بن لادن ولو حتى بفتوى، وحكموا على الإبداع الفنى المتميز فى حين لم ترتفع أصواتهم لإدانة الأمراض النفسية التى تريد أن تصدر تشريعا يقنن ممارسة الجنس مع الميت أو حكم الإغتسال بعد ممارسة الجنس مع بقرة كما جاء فى كتاب الأستاذ هيكل الأخير: مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان، فالشيخ الذى أدان عادل أمام  وتمنى أن تكون العقوبة عشر سنوات فى نفس الوقت الذى أسهب زميله كما جاء فى كتاب هيكل فى تحديد أساليب الأغتسال بعد ممارسة الجنس مع البقرة، كلاهما خارج الحياة وخارج النادى الإنسانى وخارج العصر.
كلنا عادل إمام… وكلنا  جاهزون دفاعا عن الفن والإبداع… وكلنا مستعدون للدفاع عن تجربة مصر الحضارية وعن قوتها الناعمة… وكلنا ضد طيور الظلام والبوم الناعق بالخراب على أرض مصر الجميلة.
ختام القول : الحرية هى ذلك التاج الذى يضعه الإنسان على رأسه ليصبح جديرا بإنسانيته                                                             نجيب محفوظ

التعليقات