كتاب 11
لو أني كتبت خطابه الأول
بقدر ما أعجبنى خطاب الرئيس، مساء أمس الأول، أمام 1200 مدعو، بقدر ما تمنيت شيئاً لم أجده فيه، فالخطاب، على بعضه، إنما هو موجز لبرنامج الرئيس الانتخابى، حين كان مرشحاً رئاسياً، وليس سراً أن البرنامج، سواء المكتوب منه، أو الذي جاء شفاهة على لسان صاحبه، أثناء فترة الدعاية الانتخابية، لم يترك مشكلة يعانى منها المصريون إلا أحصاها، ورصدها، ثم وضع الحل لها.
غير أنى، هنا، أتكلم عن شىء آخر، وهذا الشىء هو أن صاحب البرنامج، الرئيس السيسى، قد انتقل الآن، ومنذ صباح أمس تحديداً، من مرحلة الكلام عن برنامج انتخابى ممتلئ بالوعود، إلى مرحلة تنفيذ ما قيل منه، بحيث يضعه في كيانات حية يراها الناس على الأرض.
ولأن المشاكل التي ورثها الرجل بلا حصر تقريباً ولأنها ضخمة، فليس من الممكن أن نعمل فيها جميعاً، في ذات الوقت، وبذات الهمة، ثم بذات الإمكانات.. ليس ممكناً.
ولذلك، فما قصدته من عنوان هذه السطور أنى، لو كان الله قد كتب لى أن أكتب الخطاب الذي ألقاه الرئيس المنتخب، أمس الأول، لكنت قد سألته، ابتداء: ما هي أولوياتك يا سيادة الرئيس، حتى أضعها على الورق، وتقولها أنت للمصريين، فيكون كل واحد فيهم على بينة من أمره، ويعرف، والحال هكذا، رأسه من قدميه؟!
وحتى تكون الصورة أوضح، فإننى أقول ما أقوله وفى ذهنى ما يحاول الرئيس الأمريكى- مثلاً- أن يفعله منذ جاء إلى البيت الأبيض قبل ست سنوات تقريباً.. لقد دخل مكتبه البيضاوى، وعنده أحلام كبيرة، ومشروعات أكبر؟.. ولكن.. كان، ولايزال، عنده مشروع واحد، هو الذي يشغله، وهو الذي يملأ عليه فكره وحياته، وهذا المشروع، كما يعرف المتابعون، إنما هو مشروع التأمين الصحى على الذين لم يشملهم تأمين من هذا النوع، من الأمريكان، من قبل.. ولم يدخل أوباما في معركة مع الحزب الجمهورى المنافس له، بامتداد السنوات الست، إلا وكان هذا المشروع تحديداً موضع مساومة بين الطرفين، فكان هو، كرئيس، يتمسك به إلى أقصى حد، وكان الجمهوريون يدعونه إلى أن يتخلى عنه، أو يتخفف منه على الأقل، في نظير أن يتحلوا بالمرونة معه، فيما يريده من مجلس النواب الذي يملكون هم غالبية فيه!
هذا ما أقصده بالضبط، وهذا ما أريده، وهذا ما أدعو رئيسنا المنتخب الجديد إليه.. أدعوه إلى أن تكون عنده أولوية، أو أولويتان، بخلاف الأمن والاقتصاد، فيعمل عليهما، ولو سئلت عنهما لأجبت وأنا مغمض العينين: إنهما التعليم والصحة، ولا شىء سواهما.
أريد من الرئيس ألا يتكلم في أي مناسبة إلا ويفهم الناس منه أنه مهموم بهاتين الأولويتين، ومشغول بهما، في يقظته وفى منامه، وراغب في أن يشعر المصريون بتحسن في مستويهما، خلال أمد زمنى منظور.. أريده مستثمراً فيهما، كرئيس للبلاد، بكل إمكاناته.
إننى أعرف بالطبع أنه تكلم عنهما، مرشحا من قبل، ثم رئيساً في خطابه الأول، ولكنى لا أريد أن يكون الكلام عنهما كالكلام عن غيرهما.. أريدهما، مرة أخرى، أولوية شاغلة وضاغطة.. أريدهما هما يطاردانه، فلا يفارقانه حتى ينجز فيهما شيئاً ألمسه أنا، وتلمسه أنت، كمواطن، في كل مدرسة، وفى كل مستشفى عام.
سيادة الرئيس.. حدد أولوياتك بوضوح، ثم اعمل عليها دون إهمال غيرها بالطبع، لأن بلايانا أكبر من أن تعمل عليها كلها، في وقت واحد، وبالدرجة نفسها من التركيز!