كتاب 11
مصر والعرب… وقطر و«الإخوان»
سيواجه الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي تحديات كبيرة بينها بالطبع إعادة الأمن وإدارة المعركة مع الإرهاب والنهوض بمصر وتحقيق التنمية والعيش الكريم لفئات الشعب، إضافة إلى العمل على إعادة مصر إلى المشهد الدولي والإقليمي بالدرجة التي تستحقها بعدما تحول البلد على مدى أكثر من ثلاث سنوات إلى ساحة لأجهزة استخبارات العالم.
وبين السيسي وفئة من الشبان، يطلقون على أنفسهم «شباب الثورة»، خلافات حادة أحد أسبابها قانون التظاهر الذي أقر في عهد الرئيس الموقت عدلي منصور وحُبس بسببه بعض النشطاء. إلا أن الخلاف يمكن تجاوزه إذا أقدم السيسي على تغيير بنود قانون التظاهر أو على الأقل أحال الأمر على البرلمان المقبل أو استخدم صلاحياته الدستورية وأصدر عفواً عن المدانين. وإذا ما أثبت على أرض الواقع بسياساته وإجراءاته وقراراته أنه ليس معادياً لثورة 25 يناير وأنه مقتنع بها وأنه كان جاداً عندما تحدث في خطابه الأول بعد الإعلان الرسمي عن نتيجة الانتخابات الرئاسية ودعا المصريين إلى «البدء في صفحة جديد للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية»، مكرراً شعار تلك الثورة عندها ستزول التناقضات تدريجياً، وسيجد الراغبون في الصيد في الماء العكر صعوبات في زيادة الفجوة بين الحكم الجديد وقطاع من المصريين ربما تنقصه الخبرة، أوصلته الحماسة حد الرعونة.
أما ما بين السيسي وجماعة «الإخوان المسلمين» وتنظيمها الدولي، فقضية أخرى تتجاوز التناقضات الشكلية أو الجوهرية أو حتى حرب تكسير العظام وتصل إلى حد صراع الوجود. وكما ظل عبد الناصر العدو الأول لـ «الإخوان» حتى بعد وفاته، فطاردوا تاريخه وحاربوا أفكاره وكرهوا محبيه سيبقى السيسي بالنسبة اليهم عدواً يدركون أن لا مجال لعودتهم مرة أخرى إلى المشهد من دون التخلص منه والانتقام من فعلته ورد اعتبار الجماعة التي حكمت مصر سنة كاملة ثم رحلت.
في المقابل فإن السيسي الذي انتخب بإرادة شعبية كاسحة لا يمكنه العفو عن قادة «الإخوان» الذين يحاكمون أمام القضاء ولا يستطيع التسامح في دماء الذين سقطوا بفعل عنف الجماعة ومناصريها من التنظيمات الراديكالية كـ «أنصار بيت المقدس» أو «جند الله». وهو بالأساس يدرك أن شعبيته نالها من قطاع عريض من الشعب المصري لكونه خلّص مصر من حكم «الإخوان» وأنقذ الدولة من سيطرتهم.
أقصى ما يمكن للسيسي أن يفعله أن يفتح نوافذ ويسمح بمسارات سياسية يمكن لأعضاء «الإخوان» غير المتورطين في العنف السير فيها من دون أن يتم ذلك تحت لافتة الجماعة أو شعاراتها.
على الجانب الآخر فوّت «الإخوان» كل الفرص للعودة إلى صورة المشهد السياسي. نجح «الإخوان» سابقاً في بناء قاعدة شعبية وإدارة اتسعت في عهد مبارك واستثمروا ضغوط العهد الناصري عليهم كمظالم ونجحوا في ترويجها، فنالوا تعاطفاً من قوى سياسية مخالفة لهم. وكذلك نجحوا في أن ركبوا ثورة 25 يناير واستغلوا الغضب الشعبي ضد رجال مبارك في تشويه وحرق رموز لم تكن ضمن حاشية الحكم أو منافقي السلطة واستدرجوا شباب الثورة ودفعوهم في اتجاه العداوة للمجلس العسكري والجيش ولعبوا على كل التناقضات حتى اكتسحوا الانتخابات البرلمانية واقتنصوا مقعد الرئيس. لكنهم حققوا فشلاً مذهلاً في الحكم ودخلوا في صراعات مع كل القوى الأخرى حتى تلك التي أيدتهم واصطدموا بمؤسسات الدولة التي سموها «العميقة» وسقطوا في اختبار الحكم. وهم استمروا في الفشل وأصروا على السقوط بعد عزل محمد مرسي وأضاعوا الفرصة تلو الأخرى رغم أن حساباتهم في الاعتماد على التدخل الخارجي أو الدعم الدولي كانت تخطىء في كل مرة.
والمؤكد أن إتمام الانتخابات الرئاسية من دون التأثر بصخب «الإخوان» وقناة «الجزيرة» القطرية ومن دون حادث إرهابي يعطلها ثم تلك المشاهد الراقية والمتقنة لوقائع التنصيب السياسي وتسلم السلطة بالأمس التي جرت بدقة ملفتة، فدليل جديد على فشل رهان «الإخوان» وخسارة الجماعة. كما أن الحضور العربي الرفيع المستوى في حفلة التنصيب يعكس صورة المشهد العربي الجديد وفي القلب منه مصر. أما المشاركة القطرية ببرقية التهنئة من أمير قطر إلى الرئيس الجديد فإنها لم تلفت الانتباه إلا كسلوك بروتوكولي، لكنها جعلت بعضهم يتساءل عن تناول «الجزيرة» خبر البرقية التي أرسلها الأمير القطري إلى الرجل الذي ظلت القناة طوال سنة كاملة تسميه «قائد الانقلاب»!