كتاب 11
من يصنع العنف؟
أصبحت ظاهرة الإرهاب تشكو منها دول العالم أجمع ولا تزال. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو من يصنع الإرهاب؟ هل الإرهاب عمل أفراد وجماعات أم هو من صنع دول واستخباراتها السرية؟ ولماذا هناك من يحاول أن يربط بين الإرهاب والدين الإسلامي على وجه الخصوص هذه الأيام؟ لا يستطيع أحد أن ينكر أن ظاهرة الإرهاب تطورت فأصبحت صناعة متخصصة وفق خطط معينة تقف وراءها دول ومنظمات وتخصص لها الميزانيات، وهذا التطور التقني للإرهاب أتى بفعل تطور التكنولوجيا الحديثة، وخاصة وسائل التواصل والاتصالات الحديثة بدءا من الهواتف الذكية والسيارات المفخخة إلى الطائرات من دون طيار.
إن أول حقيقة يجب أن نركز عليها ونعيها هي أن من صنع الإرهاب اختار له البيئة المناسبة للإرهاب التي ينمو فيها ويترعرع، وإلا فلماذا الدول الفقيرة والتي ينتشر فيها الجهل والتعصب الديني والفكري والمذهبي هي التي تصدر الإرهاب؟ الإسلام هو دين السلام والتسامح والمحبة ويحرم قتل النفس ولسنا هنا بصدد شرح موقف الإسلام من هذا الموضوع، ولكن لكي نؤكد أن بعض المسلمين الذين جعلوا من الدين عصبية وتزمتا وتشددا هم الذين شوهوا صورة المسلمين في العالم.
من وجهة نظري أرى أن العوامل التي هيأت للإرهاب وأوجدت له بيئة مناسبة فهي سياسات بعض الدول الكبرى، ومواقفها في مجلس الأمن ووقوفها ضد القضايا العادلة في العالم ومنها قضية الشعب الفلسطيني، الذي تشرد من أرضه والمذابح التي قامت بها إسرائيل بحقه لم تجد لها من يتبناها في مجلس الأمن، إنما على العكس وجد من الدول الكبرى من يقف ضد طموح الشعب الفلسطيني في أن يقيم دولة مستقلة على أرضه. هذا الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني أوجد بيئة مناسبة لكي ينمو الإرهاب ليس في فلسطين فحسب، إنما على امتداد العالم العربي.
ومن المتغيرات التي شجعت على الإرهاب الحرب الباردة بين الدولتين العظميين أميركا وروسيا، وخاصة ما حدث بينهما من صراع على أفغانستان أثناء الحكم الشيوعي لها، فكان الاتحاد السوفياتي حريصا على التمسك بأفغانستان وذلك حتى يجد له نفوذا يطل به على مناطق المياه الدافئة وكذلك إيران وتركيا وجزء من المنطقة العربية مما جعل من أفغانستان منطقة صراع إقليمي وأخذت أميركا تدعم المنظمات «الجهادية» التي كانت في حرب أهلية مع النظام الشيوعي، وجاء من يسمون أنفسهم «المجاهدين» من كل أنحاء العالم، تماما كما يحدث الآن في سوريا مع تغيير في الأدوار، ومن هذه الدول التي جاء منها المجاهدون بعض الدول العربية. وعندما تحررت أفغانستان من الحكم السوفياتي (سابقا) حكمت المنظمات الجهادية وبالتحديد حركة طالبان المتشددة وخضعت أفغانستان لحكم تعسفي، وأصبحت أفغانستان مركزا مهما للجماعات المتشددة، فكانت هذه الفترة من الفترات المهمة التي شهدت صداما بين هذه الجماعات المتشددة إلى أن وصل الإرهاب أشده بأحداث سبتمبر (أيلول) 2001 عندما جرى تفجير برج نيويورك وبرج التجارة العالمي فبدأت مرحلة جديدة من الإرهاب الذي قاده تنظيم القاعدة وحركة طالبان وتحول الإرهاب إلى ظاهرة تهدد الأمن والسلام العالميين.
وهكذا يمكننا القول إن الإرهاب أولا وقبل كل شيء عبارة عن بيئة ينتشر فيها الجهل والفقر وما أكثر هذه البيئات في الدول العربية، ومن ناحية ثانية جرى تسييس الدين من قبل الجماعات التكفيرية وتوظيف النصوص الدينية في القتل والإرهاب، بل وإلغاء المختلف، فتسييس الدين لا يصب في خدمة المصلحة الوطنية، ولو ألقينا نظرة على ما يجري في العراق ولبنان وأفغانستان مثلا لوجدنا أن الحروب القائمة التي تتخذ من المذهب والدين سمتها الأساسية، هي في العمق ذات بعد ودوافع سياسية، وتشكل صراعا على السلطة السياسية.
إن من ساهم في صنع الإرهاب هي بعض الدول الكبرى التي احتضنت هذه المنظمات والجماعات الدينية وأمدتها بالأموال والسلاح، وها هي اليوم تشتكي من إرهاب هذه المنظمات ونقول لها «وعلى نفسها جنت براقش»! ونقول للدول الكبرى إن حل مشكلة الإرهاب لا يصلح له الحل العسكري والأمني، إنما تجفيف منابع الإرهاب يكون بتجفيف المنابع في البيئات التي تصنع الإرهاب وذلك من خلال المساهمة في حل ظواهر الفقر والبطالة والجهل في الدول الفقيرة، وتحكيم القوانين الدولية التي تنصف الشعوب المغلوبة على أمرها، ونشر مبادئ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية في العالم. ماذا ننتظر عندما ترفع روسيا والصين الفيتو في مجلس الأمن ضد رفع المذابح في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية؟ ماذا ننتظر غير مزيد من الأعمال الإرهابية في سوريا؟ ماذا ننتظر عندما تعمل الولايات المتحدة على إيصال حكومة طائفية في العراق إلى مركز الحكم وتتجاهل إرادة الشعب العراقي غير مزيد من أعمال الإرهاب؟ وهكذا نخلص إلى نتيجة مفادها أن من تطالهم أعمال الإرهاب الآن هم من يصنعون الإرهاب!