كتاب 11

09:28 صباحًا EEST

الحقيقة والغرابيل

«اللى مايشوفش من الغربال يبقى أعمى»، مثل شعبى قديم يفرض السؤال: ولماذا الغربال؟ لماذا لا نزيحه جانباً لنرى الأشياء بوضوح؟ لابد أن الإجابة عند الأجداد هى: الحقائق على الأرض ليست مكشوفة لنا، كل حقائق الوجود مغطاة ومستورة بغربال، وعليك أنت أن تراها من خلال فتحاته الصغيرة، ومن الغربال جاءت كلمتان، يغربل وغربلة، وهما تعنيان الفرز والاختيار، أى أن صحة الرؤية مرتبطة بفرز الأفكار لاختيار الحقيقى منها، وهو ما يتطلب عقلاً ناقداً تعوّد صاحبه أن يركب الصعاب.

بغير القدرة على الفرز الصحيح، أقصد الرؤية من خلال الغربال، نستسلم لاعتناق أفكار بها من الزيف والباطل أكثر مما بها من الحق والحقيقة، تعال نمسك بفكرة واحدة تمثل قاعدة فكرية صلبة من حقائق حياتنا، فكرة أن الإرهاب لا يمكن التعامل معه أمنياً فقط، بل يجب التعامل معه سياسياً.

من فضلك هات غربالك، وتعال ننظر إلى هذه الفكرة من خلال فتحاته، بعد طول تحديق سنكتشف مدى زيفها، لا الأمن ولا السياسة تصلحان وسيلة للتعامل مع الإرهاب والإرهابيين، وأعتذر عن استخدام كلمة «تعامل» لأنها غير صحيحة، الفكرة الصحيحة هى حتمية القضاء على الإرهاب والإرهابيين، ليس لأن هذا الاختيار من صنعنا، بل لأنه اختيارهم هم.

وأفكارنا ليست من صنعنا، بل هى نتاج فهمنا لسلوك البشر وتفاعلاتهم مع بعضهم البعض، نحن لا نعلّم أنفسنا، بل الناس هم من يتولوا تعليمنا وإمدادنا بالأفكار الصحيحة، وقد توصل الشعب السورى إلى أن الفكرة الوحيدة لنجاته من جماعة داعش هو أن يقتل أفرادها، هل لديك قواعد أو أفكار سياسية نتمكن بها من إقناع جماعة داعش وغيرها، بأن يمتنعوا عن ذبح الناس؟

كل ما تعلمه الجنرالات فى كليات الحرب خاص بعمليات القتال وليس القتل، ولعل أول ما تعلموه هو أن الحرب هى «القضاء على قوات العدو ومعداته بهدف فرض شروط السلام عليه»، هذه هى مشكلة الجنرالات فى العصر الحديث، لقد ذهبوا إلى أفغانستان وإلى العراق لفرض شروط السلام على العدو، ولابد أنهم اكتشفوا الآن ما يرفضون أو يخجلهم إعلانه، وهو أن هناك أصنافاً من البشر لا تريد السلام أصلاً، وأن سلامها الوحيد يكمن فى أن تقتلك وأن تقتلها، الإرهابى لا شأن له بكل ما توصل إليه البشر من أفكار حول شرف السلاح أو احترام الأسير، الإرهابى شخص مصاب بخلل عقلى لا يعفيه من المسؤولية الجنائية، هو شخص تحركه غريزة واحدة هى غريزة الموت.

الإرهابى يضعك فى مواجهة اختيارين، أن يقتلك وأن يمثل بجثتك أو أن تقتله، تعال ندخل فى اختبار آخر.. مذيع نشرة الأخبار قال إن أهل المدينة الفلانية فى سوريا قتلوا مائتى شخصاً من «داعش»، عند سماع هذا الخبر، هل شعرت بالألم أو بالغضب أو الشفقة؟ هل تحسرت على حياة المقتولين؟.. لم يحدث ذلك، لأن قتلهم يمثل الفكرة الصحيحة التى توصل إليها السوريون على الأرض، إنها أقدم الحقوق قداسة فى التاريخ.. الدفاع عن النفس.

نقلا عن كتاب «قزقزة فى لب الموضوع»

التعليقات