كتاب 11

08:43 صباحًا EEST

من فضلكم.. أرجوكم.. اسمعوني

جريدة «الوطن» القاهرية، 2 يونيو (حزيران) 2014، نشرت صورة من مشروع، أو طلب من وزارة الداخلية المصرية إلى شركات السوفت وير في العالم كله لشراء كراسة الشروط المطلوبة لهذا المشروع العملاق الذي يمكن تلخيص اسمه كما قالت الجريدة: «الوطن» تنشر كراسة الشروط والمواصفات الفنية لمشروع «رصد المخاطر الأمنية» على فيسبوك وتويتر وفايبر وواتس أب.. ثم بالخط الأحمر العريض.. انفراد: الداخلية تفرض قبضة إلكترونية على جرائم شبكات التواصل الاجتماعي.

ثم ذكرت الجريدة 26 خطرا في مقدمة الأولويات: ازدراء الأديان.. التشهير والإساءة للسمعة.. الدعوة للخروج على الثوابت الاجتماعية.. آه يا ثوابت يا اجتماعية أين كنت مختبئة منذ زمن طويل، أهلا يا حبيبتي يا ثوابت اجتماعية.

أعترف أنني سأناقش زوايا ضيقة للغاية في هذا المشروع الذي عجزت عن فهمه، ولكن حمدا له، هناك على الأقل تعابير جديدة منها «قبضة إلكترونية» وأستطيع أن أقول بثقة إن كل المشاريع في التاريخ التي فكرت في إحكام قبضتها على البيئة المحيطة وجدت نفسها تغني في النهاية.. ماسك الهوا بإيديَّه.. كان هذا هو خطأ مبارك الوحيد والشهير، كان من المستحيل تعيين فراش في جريدة قومية بغير موافقته، ولا بد أن الجميع ما زالوا يذكرون تلك الجملة الشهيرة الخالدة.. بناء على توجيهات السيد الرئيس، كل عضو في حكومة مبارك كان يتبرأ من تهمة «الفعل» وينسبه للرئيس.. ما أقوم به من عمل ليس لدافع شخصي من عندي.. إنها توجيهات السيد الرئيس، الأمر الصحيح في هذه التوجيهات هو أن الثورة قامت في مصر بناء على توجيهات السيد الرئيس.. حضرتك لن تصدق ذلك ولكني أصدقه.

اسمح لي أن أقول لك إن المشروع كما نشرته وزارة الداخلية، يعطي فرصة العمر لنصابي السوفت وير في شركات العالم. أرجو أن تلاحظ أنني أستخدم كلمة نصاب ليس بالمعنى الجنائي، بل بالمعنى الثقافي، والويل لك عندما تقع ضحية لنصاب ثقافي، هو يستغل جهلك بموضوع معين وما أكثر ما تجهله ويسحبك إلى الربع الخراب ويقف بك على حافة بئر العفاريت التي تصرخ وتهسهس وتوسوس، ثم يخرج من جيبه علبة بلاستيك ويخرج منها برشاما ملطفا للعفاريت.. هذه البرشامة بعشرين مليار دولار فقط إكراما لك وإكراما لهدفك النبيل وهو الحفاظ على الثوابت الوطنية.

النصاب، أي نصاب وكل نصاب، يستمع إليك باهتمام منتظرا جملة من هذا النوع، الثوابت الوطنية، عندها يعرف أنك زبون صُقُعْ، وعلى استعداد لشراء برشام العفاريت.

أرجوكم.. أجلوا قليلا هذه الحكاية، واهتموا بتدريب الجنود لمواجهة القتل والقتلة، قوموا بشراء نوعية جديدة من السلاح لضباطكم وجنودكم، عدوكم يقتل ليس لأنه مدرب على القتل بل لأنه قاتل تربى على القتل، علموا جنودكم في تدريباتهم الجديدة.. Shoot to kill. هذه هي مشكلتهم الحقيقية، هؤلاء المساكين ليسوا قتلة لذلك يسهل قتلهم، مرة أخرى لا بد من تدريبهم على Shoot to kill.

ولكن قبل ذلك كله سلموا لي من فضلكم على السيدة ثوابت وطنية، فلقد عانيت منها لسنوات طويلة، بس هي واحشاني دلوقت والله.

التعليقات