كتاب 11
صفر «الغنوشى» للإخوان!
ربما يكون أهم ما فى تونس، اليوم، أن الزائر لها سوف يلحظ على الفور، أن حركة «النهضة» الإسلامية التى اقتنصت الحكم، فيما بعد سقوط زين العابدين بن على، فى 14 يناير 2011، قد راحت تتصرف فى الشأن العام بدرجة من النضج السياسى غابت تماماً عن جماعة الإخوان، التى اقتنصت هى أيضاً الحكم، عندنا، بعد أن تخلى مبارك عن السلطة فى 11 فبراير من العام نفسه!
وقد انعكس مثل هذا النضج، فى تصريحات الشيخ راشد الغنوشى، رئيس الحركة، فى أكثر من مناسبة، ولم يكن حواره مع صحيفة «الشرق الأوسط»، يوم الجمعة الماضى، سوى خطوة أخرى فى هذا الطريق، ففيه قال صراحة بأن خروج حركته من الحكم مؤخراً قد أنقذ تونس، خصوصاً بعد ثورة 30 يونيو فى القاهرة!
وحين تقارن بين جماعة «الإخوان» هنا، وبين «النهضة» هناك، تكتشف أن الأولى كان كل همها أن تصل إلى السلطة، وأن تظل فيها، وأن تقصى عنها كل الذين هم عداها، ثم تكتشف أن الثانية لم تكن السلطة بالنسبة لها هدفاً فى حد ذاته، ولذلك، رضيت بأن تبتعد عن الحكومة بشكل كلى، رغم أنها صاحبة أغلبية فى البرلمان القائم فى الوقت الحالى!
ففيما بعد زين العابدين، شكلت «النهضة» حكومتين، وقد فشلت الأولى برئاسة حمادى الجبالى، وكذلك فشلت الثانية برئاسة على العريض، ولأمر ما، أحست الحركة، التى يجلس الغنوشى على قمتها بأن وجودها فى الحكومة مشكلة، وليس حلاً، فتخلت عن الحكومة كلها، وقبلت بأن تتشكل حكومة ثالثة، لا صلة لها بـ«النهضة» من قريب، ولا من بعيد، وهى الحكومة الحالية برئاسة المهدى جمعة، الذى كان وزيراً للصناعة فى الحكومة السابقة.
أنت، إذن، أمام رجل مثل الغنوشى يدرك أن هموم ما بعد ثورتهم أثقل من أن تحملها «النهضة» وحدها، بل إنه عندما أدرك أن وجوده فى السلطة، من خلال سيطرته على حكومتين متعاقبتين موضع رفض من القوى السياسية، ومن المجتمع، رفع يده كلياً، ورحب بأن تأتى حكومة محايدة، يكون ولاؤها السياسى لتونس كلها، كوطن، لا لحركة النهضة، ولا لغيرها.
ولم يتوقف الشيخ راشد عند هذا الحد، وإنما قال فى حواره الأخير، بأنه لايزال صاحب وجود فى الشارع، يفوق وجود أى تيار سياسى آخر، وإنه يتوقع أن يحصل فى انتخابات البرلمان آخر العام على نسبة عالية من مقاعد البرلمان، وإنه – وهذا هو الأهم – لن يقبل بأن يحكم وحده، مهما كان حظه فى البرلمان المقبل، وإنما سيحرص على أن يحكم من خلال ائتلاف واسع يضمه، ويضم غيره معه على السواء.
والحقيقة أنك إذا ما كنت فى تونس، ثم دخلت فى نقاش مع التوانسة فى الشارع، حول مثل هذا الكلام للشيخ راشد، فسوف يتبين لك شيئان، أولهما أن شعبية «النهضة» فى الشارع التونسى ليست أبداً ما يتخيل رئيسها، وأنها انحسرت كثيراً، وأنها تكاد تقود إلى أقلية للحركة، عند أى انتخابات تنعقد فى المستقبل، وثانى الأشياء أن التونسى البسيط يشعر فى أعماقه بأن سلوك «النهضة» الذى أصفه أنا بأنه على درجة من النضج السياسى، ليس نضجاً، ولا يحزنون، ولا هو حكمة، ولا شىء من هذا أبداً، وإنما هو بالكثير نوع من الخبث السياسى المكشوف، الذى يجعل صاحبه ينحنى لعاصفة هو يعلم أنها أقوى وأعتى منه، وأنه عاجز عن الوقوف فى وجهها!
قد تكون «30 يونيو» المصرية هى «رأس الذئب الطائر» بالنسبة للغنوشى، وسواء كانت كذلك، أو لم تكن، فإن سلوكه السياسى بعدها ينطق بأنه أخذ منها الدرس جيداً، وأنه انحنى حتى تمر العاصفة، وأنه أثبت أن الإخوان عند المقارنة به، على المستوى السياسى، ليسوا سوى صفر على الشمال!