مصر الكبرى

08:18 صباحًا EET

حجابي : متطرفة اسلامية في فرنسا وعلمانية في مصر

في مصر، أنا ليبرالية علمانية متعفنة.
وفي فرنسا، أنا مسلمة إرهابية متطرفة؛ ولأني أرتدي الحجاب أُتهم بأني لا أحترام علمانية الدولة.

أنا نفس الشخص، سواء في مصر أو في فرنسا. نفس "القالب". فكيف أكون علمانية في مصر وضد العلمانية في فرنسا؟
المشكلة ليس في شخصي ولكن في رغبة الآخر في تبرير هجومه على من يخالفونه وأذيته لهم باعتبارهم قوالب سلبية تجلب الضرر للمجتمع وبالتالي يجب القضاء عليها. عندما نضع إنسان أو فئة في قالب سلبي يصبح إلحاق الأذى به عملاً محموداً ومبرراً يقوم به الفرد وهو مرتاح الضمير بعد أن قام بشيطنة الآخر.
مع القوالب، لا نحتاج أن نبذل مجهوداً للتعرف على الآخر، لأننا بالفعل نعرفه من خلال القالب السلبي الذي أسقطناه عليه (وانتهز هذه الفرصة لأوجه جزيل الشكر لقادة الفكر من الإعلاميين في كافة دول العالم. ربنا يقدركم على صناعة القوالب كمان وكمان.)
عن نفسي، أنا مقتنعة أن كل شخص له الحق في أن يحيا وفقاً لمعتقداته دون أن يعرضه ذلك للاضطهاد أو يؤثر سلباً على حياته المجتمعية والمهنية، وعلى الدولة أن تضمن هذا الحق.
أنا مع حق المسيحيين في مصر ألا يتم اقصاؤهم من أي وظيفة أو مركز بسبب انتماؤهم الديني، ولنفس السبب أرفض أن يتم إقصاء المرأة المحجبة من الحياة المهنية في فرنسا.
أنا مع حق كل إنسان أن ترعى الدولة حقه في ممارسة شعائره الدينية وإقامة دور عبادة له، مهما تكن هذه الديانة. لذا فأنا مع حق المسلمين في أوروبا أن يقيموا مساجداً لهم، كما أنا مع حق، ليس فقط المسيحيون، بل كل جماعة دينية في مصر، حالية أو قد تستجد، في أن تمارس شعائرها الدينية وأن تضمن لها الدولة حق إنشاء دور عبادتها.
هذه هي قناعتي التي أعيش بها في مصر أو خارجها، فهل أعتبر علمانية أم لا؟
أنا مسلمة مؤمنة بالله، لدي ثوابت دينية التزم بها سواء في مصر أو خارجها، فهل يجعلني ذلك متطرفة؟
لن تجد شخصاً يُنكر حق الآخر في الاختلاف. لن تجد شخصاً يعلن صراحة: أنا أنكر هذه العقيدة تلك وبالتالي من واجبي اضطهاد من يعتنقها.
"حق الآخر في الاختلاف" ليس مجرد شعار نتشدق به ولكنه أسلوب حياة وأخلاقيات مجتمع وسياسة دولة. احترام الحق في الاختلاف لا يعني تشجيع الانحلال وهدم الثوابت القيمية للمجتمع، بل هو حماية للفرد وللأقليات: فأغلبية وطننا هم أقلية في أوطان أخرى، والعكس صحيح. لهذا أنا أدافع عن حق الأقليات الغير مسلمة في وطني وكلي أمل أن تجد الأقليات المسلمة في الدول الأخرى من يساندونهم.
غير أني عندما أدافع عن حق الإنسان في الاختلاف في فرنسا، يرد على البعض قائلين أن المسلمين يجب عليهم أن ينصهروا في المجتمع. لا أفهم معني كلمة "الإنصهار في المجتمع"، فهل المجتمع بوتقه ينصهر فيها الأفراد كي يخرجوا على شكل قوالب متماثلة؟ أرفض كلمة "الانصهار في المجتمع" (ربما يعود ذلك إلى خلفيتي كباحثة لغوية، حيث تعلمت من دراسات التواصل أن العالم يتحدث لغات كثيرة ولكل لغة لهجات ومستويات ولكل إنسان على وجه الأرض أسلوبه المتفرد "Idiolect"، وبالتالي لكل منا فرديته)، أفضل كلمة "الانتماء للمجتمع"، بمعنى أنني جزء من هذا المجتمع، أدرك أنني أشاركه المصير، وبالتالي فإنني معنية به.
ومن ناحية أخرى، عندما أدافع عن حق الإنسان في الاختلاف في مصر، يرد علي البعض بسرد أمثلة متطرفة: " يعني أنت عايزة كل واحد يمشي على حل شعره! الشباب يلبسوا لبس غريب زي بره والإلحاد والشذوذ ينتشر!" لا أفهم هذه الفرضية التي ترى أن ضمان حق الإنسان في الاختلاف يعني بالتبعية تفشي الأنماط السلبية وانهيار الأخلاق؛ وأن جل ما يقدمه الآخر من اختلاف هو ضرر للمجتمع (وإلا كنت آمنت به، فبما أن طريق الحق واحد، فأنا على الحق وكل ما هو دوني باطل يجب إقصاؤه. هكذا يفكر البعض غير مدركين أنه في بلد آخر تعيش أفراد لها نفس انتمائهم العقائدي ولكنهم أقلية في مجتمعهم وقد يتعرضوا للأذي إذا ما انتهجت الأغلبية في ذاك المجتمع نفس المنطق: أنا الحق وكل ما هو دوني هو باطل يجب إقصاؤه لحماية المجتمع من ضرره.
إن ضمان حق الفرد في الاختلاف سيخلق حالة الاستقرار اللازمة لتثبيت القيم في المجتمع، على عكس التنحار الذي يجعل الإنسان يخرج أسوأ ما عنده. إن ضمان حق الفرد في الاختلاف هو ضمان لمنظومة المبادئ الإنسانية التي اتفقت عليها كافة الأديان السماوية والأرضية.
إن مصر تحيا لحظة تاريخية استثنائية قد تجعلها تعود من جديد لإثراء الإنسانية، فهل نُحسن استغلالها ونبني نموذجاً يُحتذى به بعد عدة سنوات من الآن: النموذج المصري؟
إننا نضع اليوم لبنة أساس جديد: دستورنا. وستحدد القواعد التي نلقيها حالياً طبيعة البناء. فما هو البناء الذي نرغب به؟ هل نريد غرف ضيقة متطابقة، أم نريده بناءً رحباً غنياً بتعدديته المنسجمة، حتى وإن كانت تعددية متباينة.
هل سيضمن لنا الدستور الحق في الاختلاف وهل ستعمل الدولة على حماية هذا الحق؟
أصل أنا لو في مصر من الأقلية الليبرالية العلمانية المتعفنة.
وبره مصر من الأقلية المسلمة الإرهابية المتطرفة.
طب أعمل إيه؟
آخد فيزا لزُحل مثلاً!!!

التعليقات