أفضل المقالات في الصحف العربية
أين أنت يا دكتور؟
أين أنت يا دكتور محمد؟ لا أنت بين مرشحي الرئاسة الذين طالما تقدمتهم، ولا أنت بين الناخبين الذين طالما حرّضتهم. فأين أنت؟ فقط سؤال اطمئنان. أطللت في عاصفة بيضاء واختبأت في سحابة بلا لون. أعطيت الناس شيكا بآلاف الآمال، ثم سحبته منهم ومن البنك ومن التداول.
هل كنت حقيقة أم ظلا؟ ذات مرحلة رأت فيك الناس زعيم المعارضة والرئيس المقبل والآتي من الغرب محملا بالخبرة وجائزة نوبل والعلاقات الدولية. ثم فجأة رأيت أن الجماهير عبء هائل، وأن السكن في فيينا ترافقه دائما موسيقى باخ ومشهد الخيول الراقصة في أهم كلية للأفراس والأمهار في العالم.
اكتشفت في القاهرة أن الناس لها أصوات عالية تصيبك بالخوف أحيانا. وأن الجماهير تطرح المطالب وتريد تحقيقها اليوم، وليس إحالتها على الدرس. أكاد أقول يا دكتور برادعي إنك شعرت بالخوف والضياع. الناس تبحث عن زعيم تلامسه، وأنت تصر على مخاطبتها عبر «تويتر». أنت من عصر الإنترنت وأكثرية الناس من عصر الطحين والزبادي والطعمية.
يا دكتور محمد، كان يجب أن تدرك، مبكرا، أنه لا يمكن إدارة شؤون مصر من فيينا. مصر عاوزه ريّس يخاطبها وتهتف له ويُشعرها أنها في حمايته. أما أرستقراطي متأفف من ضوضاء الجماهير، ما ينفعش. خسارة والله يا دكتور. عُقِدت آمال كثيرة عليك. رأت فيك الناس قاهر التوريث وهتفت في حضرتك ضد جمال. وصرخت بك «ألا محمدا أقدم»، فأحجمت. ترددت. ثم انسحبت تماما من مشهد كنت في وسطه.
أنا يا دكتور محمد من العرب الذين اعتقدوا أنك بديل محتمل في مرحلة التغيير والاضطراب. معتدل وصادق. كفء ووسطي، بعد تجربة في السياسة، لكن صاحب تجربة دبلوماسية كويسة. لكن كان ينقصك الشجاعة على أن تضع رأسك على صدر الشعب، وتصغي إلى نبض صدره. مصر بلاد ميادين مفتوحة وهواء طلق.
الحدث في انتخابات مصر يا دكتور محمد أنه لم يكن لك أثر ولا اسم ولا صوت ولا رأي. أنا تذكرتك لأنك كنت بالنسبة إلي أحجية. لم أستطع أن أعرف يوما حقيقة الأمر، مع أنني تأملت أن تضع كفاءتك في خدمة مصر. ومصر هي الناس. والناس بوابتها. لكن أخافك منظر الملايين. بدوتَ متضعضعا ومتكلفا عندما خلعت ربطة عنقك. أين أنت، في أي حال؟ على الدانوب مع باخ، أم على النيل مع «النهر الخالد».. مش كنت على الأقل تنتخب.