مصر الكبرى
إبراهيم القاضي يكتب … كان (قصة قصيرة)
ظل يراقب الناس بعيناه الشاردتان و ذهنه الغارق فى بحر الماضى.. يبتسم عندما يتذكر زميله على الجبهه .. و هو يسجد بجواره يقبل الرمال و يصيح بصوته العالى كزئير الاسود ( اخيرا لمست رجلي ترابك يا سينا) ..
كم كانت فرحته .. كان صائما .. كان اسدا عندما يزأر تخشاه الكلاب .. كان و كان و كان .. أخذ يدخن سيجارته بنهم .. كأنه فى صراع محتوم معها .. شاديه تشدو فى التلفاز بمناسبه إنتصار أكتوبر (ماشفش الولاد السمر الشداد ).. الصخب و الضجيج يعج بالمقهى .. يطلب الزبائن بضجر من الصبى أن يغير تلك القناه ليتسنى لهم متابعة مباراة الكره الهامه .. تراقب عيناه الزبائن فى الم و حسره .. لقد مات البطل .. نعم مات البطل .. و بدأت المباراه .. حبس الجمهور انفاسه.. يدعون الله ان يوفق ابطال فريقنا القومى و ينصرهم .. الدموع تلمع فى عينيه يتذكر زميله لقد مات .. كان يحلم بالعبور و الثأر لكرامة وطنه ..فجاه .. المعلق فى التلفاز يصيح بصوت عالى جووووون .. قفز الزبائن و احتضنوا بعضهم البعض مهللين .. و هتفوا مصر مصر .. اثنوا على الاعب البطل ..الذى أحرز هدفا دك به مرمى الخصوم .. اه اه لقد مات البطل .. كان يطلب من أمه الا تبكى و أن تفتخر به فهى أم البطل .. انتهت المباراه بفرحه دبت فى قلوب الزبائن يدعون الله لهؤلاء الابطال الذين جلبوا الكأس من فم الاسد و رفعوا أسم الوطن .. اه اه يا وجعى على هذا الزمان ..لقد مات البطل و تغيرت معانى البطوله ..كانت البطوله تحققها دماء و امست تحققها ركلات بالحذاء .. تغيرت معانى الكرامه .. أصبحت معلقه فى قدم لاعب رهينه لركلاته اذا اصابت المرمى رفعت كرامة الوطن الى السماء و اذا اخطات المرمى ضاعت هباء.. تذكر البطل و دموع الالم تلمع فى عيناه تحاول الخلاص من حصار جفونه .. كان يقتحم خطوط الاعداء بصدر مفتوح لا يخشى الموت.. كنا نمازحه ( انت مبتخفش من الموت .. الموت اللى بيخاف منك ) أفلتت دموع الالم و الحزن من عيناة و هو يتذكر البطل وهو يصيح مكبرا فاتحا صدره و رصاصات الاعداء تخترق جسده .. تتسابق لتنال شرف إختراق جسد البطل.. يهتز جسده و يترنح ..يقاوم السقوط ..و مازل قابضا على سلاحه يقاوم.. يكبر الله اكبر و تحيا مصر .. وأخيرا سقط .. نعم سقط .. بجواره سلاحه ملاصقا .. كأنه حزين على فراقه .. تسيل دمائه على الرمال كأنها تبكى على فراقه .. كان البطل يرقد فى سلام مبتسما يمسك بيديه صوره طفلته الصغيرة .. كان و كان و كان و أصبح ذكرى أنسان.. اختصر البطل فى كلمة كان !! يا وجعى من تلك الكلمه كم اكرهها .. هل البطل كان و زال !!؟؟
ابراهيم القاضى..روائى و قاص شاب..صدرت له اول رواية مطبوعة فى 2012 بإسم "القرية "